v
وخطوط المسارات المتصالبة، تعثر وسقط فوق حزمة من قضبان الإشارات. في النهاية، كان يجلس على حافة رصيف ورأسه بين يديه. أصدرت المياه بارتطامها بالكومات صوتا مهدئا كصوت لعق الكلاب. أخرج جريدة من جيبه وفتح لفافة بها كتلة من الخبز وشريحة من اللحم ذي الغضاريف. أكلهما جافين، وأخذ يمضغ ويمضغ قبل أن يتمكن من الشعور بأي نداوة في فمه. ثم نهض متعثرا، مزيلا الفتات من فوق ركبتيه، ونظر حوله. جنوبا خلف المسارات، كانت السماء الضبابية مخضلة بوميض برتقالي.
قال عاليا بصوت ناعق: «الطريق الأبيض المرح. الطريق الأبيض المرح.»
عبر النافذة المخططة بمياه الأمطار، كان جيمي هيرف يشاهد حركة المظلات صعودا وهبوطا في حركة المرور الحائمة ببطء والمتدفقة في برودواي. سمع نقر على الباب، فقال جيمي: «ادخل»، وعاد إلى النافذة عندما رأى أن النادل لم يكن هو بات. أضاء النادل الأنوار. رأى جيمي انعكاسه في لوح زجاج النافذة، وقد كان رجلا نحيلا ذا شعر شائك، ويحمل عاليا في إحدى يديه صينية العشاء التي كانت الأغطية الفضية عليها منسقة كالقباب. تقدم النادل لاهثا إلى داخل الغرفة جاذبا خلفه بيده التي لا تحمل شيئا مسندا قابلا للطي . نزع المسند، ووضع عليه الصينية وبسط مفرشا فوق الطاولة المستديرة. فاحت منه رائحة كرائحة مخزن طعام مشحم. انتظر جيمي حتى ذهب ليستدير. ثم سار حول الطاولة قالبا الأغطية الفضية؛ حيث وجد حساء تعوم فيه أشياء خضراء صغيرة، ولحم حمل مشويا، وبطاطس مهروسة، ولفتا مهروسا، وسبانخ، ولكنه لم يجد حلوى. «يا أمي.» ناح الصوت ضعيفا عبر الباب القابل للطي: «نعم يا عزيزي.» «العشاء جاهز يا أمي العزيزة.» «ابدأ أنت يا ولدي الحبيب، سألحق بك في الحال ...» «ولكني لا أريد أن أبدأ من دونك يا أمي.»
سار حول الطاولة معدلا أوضاع السكاكين والشوكات. وضع منشفة فوق ذراعه. كان النادل الرئيسي في مطعم دلمونيكو يرتب الطاولة لجراوستارك وملك بوهيميا الأعمى والأمير هنري الملاح و... «من تريدين أن تكوني يا أمي، الملكة ماري ملكة اسكتلندا أم ليدي جين جراي؟» «ولكن كلتيهما قطع رأسها يا عزيزي ... وأنا لا أريد أن يقطع رأسي.» ارتدت الأم فستان الشاي السلموني اللون. عندما فتحت الباب القابل للطي، فاحت من غرفة النوم رائحة ضعيفة من الكولونيا والأدوية، تجرجرت خلف كميها الطويلين المهدبين بالدانتيل. كانت قد وضعت الكثير من البودرة بعض الشيء على وجهها، ولكن شعرها، ذلك الشعر البني البهيج، كان مصففا تصفيفا جميلا. جلسا متقابلين، ووضعت صحنا من الحساء أمامه، رافعة إياه بين يدين طويلتين تظهر منهما العروق الزرقاء.
تناول الحساء الذي كان خفيفا ولم يكن ساخنا بما يكفي. «أوه، لقد نسيت الكروتون يا عزيزي.» «أمي ... أمي، لم لا تتناولين حساءك؟» «لا يروق لي تناوله هذا المساء. لم أستطع التفكير فيما أطلب الليلة؛ فرأسي يؤلمني. لا عليك.» «هل كنت تفضلين أن تكوني كليوباترا؟ لقد كان لديها شهية رائعة وأكلت كل شيء كان يوضع أمامها كفتاة صغيرة مطيعة.»
قالت بصوت مرتجف: «حتى اللآلئ ... وضعت لؤلؤة في كأس من الخل وشربتها ...» مدت يدها إليه عبر الطاولة؛ فربت على يدها كالرجال وابتسم. «أنا وأنت فحسب يا ولدي جيمي ... حبيبي، ستحب دائما أمك، أليس كذلك؟» «ما الأمر يا أمي العزيزة؟» «أوه لا شيء، أشعر بشيء غريب هذا المساء ... أوه، أنا متعبة جدا من عدم شعوري من قبل أنني بصحة جيدة حقا.» «ولكن بعد أن أجريت عمليتك ...» «أوه أجل، بعد أن أجريت عمليتي ... هناك يا عزيزي ورقة من الزبد الطازج على حافة النافذة في الحمام ... سأضع القليل منه فوق هذا اللفت إذا جلبتها لي ... للأسف علي أن أقدم شكوى بشأن الطعام مجددا. لحم الحمل هذا ليس حقا كما ينبغي أن يكون؛ آمل ألا يمرضنا.»
ركض جيمي عبر الباب القابل للطي وغرفة أمه إلى الممر القصير الذي تفوح منه رائحة كرات العثة وقطع الأقمشة الحريرية المنثورة فوق كرسي، ثم تأرجح الأنبوب المطاطي الأحمر لرشاش المياه وضربه في وجهه عندما فتح باب الحمام، وقد جعلت رائحة الأدوية ضلوعه تنقبض بألم. رفع النافذة الموجودة في طرف حوض الاستحمام. كانت الحافة خشنة وكانت لطخ من السخام كالريش تغطي الصحن المقلوب ليغطي الزبد. وقف برهة محدقا لأسفل في المنور، ومتنفسا عبر فمه لمنع نفسه من استنشاق غاز الفحم المتصاعد من الأفران. كانت أسفله خادمة ترتدي قلنسوة بيضاء متكئة خارج النافذة وتتحدث مع أحد مشغلي الأفران الذي وقف ناظرا لأعلى إليها وذراعاه العاريتان المتسختان معقودتان فوق صدره. مد جيمي أذنيه كي يسمع ما كانا يقولانه: أن تكون متسخا وتحمل الفحم طوال اليوم والشحم في شعرك ممتدا إلى إبطيك. «جيميي!» «آت يا أمي.» أنزل النافذة بقوة بوجنتين متوردتين ورجع إلى غرفة الجلوس ببطء حتى يتلاشى التورد عن وجهه. «أتسرح مجددا يا جيمي. يا عزيزي الحالم الصغير.»
وضع الزبد بجوار صحن أمه وجلس. «أسرع وكل لحم الحمل بينما لا يزال ساخنا. لم لا تجرب بعضا من صلصة الخردل الفرنسية عليه؟ ستجعل مذاقه أفضل.»
أحرقت صلصة الخردل لسانه، وأدمعت عينيه.
صفحه نامشخص