تحریر و تنویر
التحرير والتنوير
ناشر
الدار التونسية للنشر
محل انتشار
تونس
الْآيَةُ غَيْرَ مُنْتَهِيَةٍ وَلَوْ طَالَتْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلَى قَوْلِهِ:
وَخَرَّ راكِعًا وَأَنابَ [ص: ٢٤]، فَهَذِهِ الْجُمَلُ كُلُّهَا عُدَّتْ آيَةً وَاحِدَةً.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْفَوَاصِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْإِعْجَازِ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى مُحَسِّنَاتِ الْكَلَامِ وَهِيَ مِنْ جَانِبِ فَصَاحَةِ الْكَلَامِ، فَمِنَ الْغَرَضِ الْبَلَاغِيِّ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْفَوَاصِلِ لِتَقَعَ فِي الْأَسْمَاعِ فَتَتَأَثَّرَ نُفُوسُ السَّامِعِينَ بِمَحَاسِنِ ذَلِكَ التَّمَاثُلِ، كَمَا تَتَأَثَّرُ بِالْقَوَافِي فِي الشِّعْرِ وَبِالْأَسْجَاعِ فِي الْكَلَامِ الْمَسْجُوعِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ بالقوافي وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ [غَافِر: ٧١] فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غَافِر: ٧٢] ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ
أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ [غَافِر: ٧٣] مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَى آخَرِ الْآيَاتِ. فَقَوْلُهُ: فِي الْحَمِيمِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: يُسْحَبُونَ وَقَوْلُهُ: مِنْ دُونِ اللَّهِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ تُشْرِكُونَ. وَيَنْبَغِي الْوَقْفُ عِنْدَ نِهَايَةِ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ آيَةٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ دُونِهِ ابْتِدَاءُ الْآيَةِ بَعْدَهَا فِي سُورَةِ هُودٍ [٥٤] .
أَلَا تَرَى أَنَّ مِنَ الْإِضَاعَةِ لِدَقَائِقِ الشِّعْرِ أَنْ يُلْقِيَهُ مُلْقِيهِ عَلَى مَسَامِعِ النَّاسِ دُونَ وَقْفٍ عِنْدَ قَوَافِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ إِضَاعَةٌ لِجُهُودِ الشُّعَرَاءِ، وَتَغْطِيَةٌ عَلَى مَحَاسِنِ الشِّعْرِ، وَإِلْحَاقٌ لِلشِّعْرِ بالنثر. وإنّ الْفَاء السَّجْعِ دُونَ وُقُوفٍ عِنْدَ أَسْجَاعِهِ هُوَ كَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. وَمِنَ السَّذَاجَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ مُلْقِي الْكَلَامِ عَنْ مُحَافَظَةِ هَذِهِ الدَّقَائِقِ فَيَكُونَ مُضَيِّعًا لِأَمْرٍ نَفِيسٍ أَجْهَدَ فِيهِ قَائِلُهُ نَفْسَهَ وَعِنَايَتَهُ. وَالْعِلَّةُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّامِعِينَ مَعَانِيَ الْكَلَامِ، فُضُولٌ، فَإِنَّ الْبَيَانَ وَظِيفَةُ مُلْقِي دَرْسٍ لَا وَظِيفَةُ مُنْشِدِ الشِّعْرِ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الشَّاعِرَ نَفْسَهُ.
وَفِي «الْإِتْقَانِ» عَنْ أَبِي عَمْرٍو قَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَقْف على رُؤُوس الْآيِ سُنَّةٌ. وَفِيهِ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ فِي «شُعَبِ الْإِيمَانِ»: الْأَفْضَلُ الْوَقْف على رُؤُوس الْآيَاتِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا اتِّبَاعًا لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَسُنَّتِهِ،
وَفِي «سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ» عَنْ أُمِّ سَلمَة أنّ النبيء ﷺ كَانَ إِذَا قَرَأَ قَطَّعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. ثُمَّ يَقِفُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. ثُمَّ يَقِفُ: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الْفَاتِحَة: ١- ٣] ثُمَّ يَقِفُ.
1 / 76