تحریر افکار
تحرير الأفكار
ژانرها
والمحنة الثانية: وقوع الوحشة بينه وبين أمير بلده، بسبب امتناعه من طاعته لما أمره أن أحمل إلي كتاب الجامع والتاريخ لأسمع منك. وفي رواية أمره أن يقرأ التاريخ والجامع على أولاده فامتنع، وقال: لا يسعني أن أخص بالسماع قوما دون آخرين. فنفاه عن البلد، فدعا وهو في المنفى: ( اللهم قد ضاقت بي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك ) هكذا في آخر مقدمة فتح الباري. والله اعلم بالصواب. فالمحنة الأولى وقعت له بينه وبين الناس وكأنها بطريق المنافسة إن صحت الرواية، وليست بسبب كلمة حق عند سلطان جائر، والمحنة الثانية: بسبب معصية الأمير، ولو أطاعه لكان موافقا لإمامه الزهري إن صحت الرواية عنه. فقد روى ابن حجر في « تهذيب التهذيب » في ترجمة الزهري ( ج 9 ص 449 ) سأل هشام بن عبد الملك الزهري أن يملي على بعض ولده، فدعا بكتاب فأملى عليه أربعمائة حديث، ثم إن هشاما قال له: إن ذلك الكتاب قد ضاع، فدعا الكاتب فأملاها عليه...، فإن كان الزهري قد أهان العلم، فتلك مما يدل على ميله إلى الملوك، وأنه يطيعهم في معصية الله، وإن لم تكن إهانة للعلم فما الرخصة للبخاري في معصية الأمير وقد أمره بأن يقرأ كتابيه ؟ وكتاباه عنده حق، وسماعهما حق عنده. فالأمر على هذا ليس أمرا بمعصية حتى يحمد البخاري على مخالفته، مع أن مذهبه وجوب طاعة أميره في غير معصية الله وإن كان ظالما، وهذا كله على فرض صحة الرواية. والله أعلم.
قال مقبل: فهل تعلم أن البخاري ومسلما رويا: « ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة »(1)[43]). والأحاديث كثيرة في ذم الظلمة في الصحيحين وغيرها، فليس قولك: إنهم يروون عن الظلمة والفسقة، بضائرهم. انتهى باختصار.
صفحه ۵۳