ومن أطعمهم أو كساهم فقد ناقض في ذلك حكم أحكم الحاكمين، وإن كانت خاصة بمن عدا الباغين من الذين يجب إنفاقهم، أو يستحب أو يباح، وكان المراد بالسفهاء من ينفق المال في المعاصي أيضا، فهي تدل على تحريم تسليم الأموال إلى غيرهم من الظالمين بالفحوى؛ لأنه إذا حرم تسليم المال إلى من ينفقه في المعاصي من خواص الإنسان، أو إلى من يستحب له أن ينفقه أو يباح، فبالأولى أن يحرم تسليمه إلى من ينفقه في المعاصي من غيرهم؛ لأنه لا أصل لجواز تسليم المال إليه، وهو على تلك الحال البتة، وإن كان المراد بالسفهاء من يضيع المال، فإنه يدل على تحريم تسليم المال إلى من ينفقه في المعاصي بالفحوى، سواء كانت الآية عامة أو خاصة بمن تقدم ذكره[أما حيث كانت الآية عامة فواضح].
وأما حيث كانت خاصة بمن يجب إنفاقه أو يستحب أو يباح، فإنه إذا حرم تسليم الأموال إلى من يضيعها منهم، فإن تسليم الأموال إلى من ينفقها في المعاصي أعظم لا يخفى ذلك، وجميع ذلك مبني على أن المراد بالأموال أموال المعطين بكسر الطاء، كما هو ظاهر الآية الكريمة، لا أموال السفهاء كما ذهب إليه بعض المفسرين.
فأما على مذهبه هذا إن صح، فاعلم أنه إذا كان حرام أن يسلم إلى الإنسان نفس ما يملكه لأجل أن يضيعه أو ينفقه في المعاصي، فتسليم ما لا يملك العاصي من المال إليه لينفقه في المعاصي أعظم، ودلالة الآية على تحريمه أقوى، وذلك بحمد الله واضح.
صفحه ۳۱۴