كما أن المصالح والمفاسد تترتب على الأفعال ترتب المسببات العادية على أسبابها؛ مثل ترتب منافع الأدوية ومضارها عليها؛ فإنها تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، فالعمل قد يكون مُنشئًا لمصلحة في حال أو زمان في حق أشخاص، فيستدعي الإقبال عليه، وقد ينتقل فعله إلى أن يتصل بمفسدة، فيستحق البعد عنه، ومن هنا، يجب أن يكون في نص القانون سعة ومرونة، بحيث يمكن تطبيقه على ما يجد من الحاجات والجزئيات؛ لأنه قانون عام، وضع للناس كافة في كل زمان ومكان.
المصلحةُ العامَّةُ في التَّشْرِيع الإسْلامِيّ
لم يقف المجتهدون من الصحابة والتابعين عند ظواهر النصوص، بل استنبطوا منها أحكامًا تلائم حالة العصر، بحيث لا تخرج عن دائرة الشرع الحكيم، واعتبروا المصلحة العامة وفقًا للشرع الحنيف. كما أن الصحابة عملوا أمورًا لمطلق المصلحة، لا لتقدم شاهد بالاعتبار؛ ككتابة المصحف، وولاية العهد من أبي بكر لعمر وتدوين الدواوين ... إلخ مما لم يتقدم له أمر أو نظر، وإنما فعل لمطلق المصلحة.
هَلِ العُرْفُ قَانُونٌ شَرْعيٌّ مُطَاعٌ؟
من الأحكام التشريعية ما بينه الشارع على رعاية أحوال تتغير وعوائد تتجدد، وهذا النوع من الأحكام هو ما يعبر عنه بما يحتمل التفيير والتبديل ولا يلزم طرده في كل عصر، ولا إجراؤه في كل مكان بل يجري العمل فيه على ما يقتضيه العرف السائد بين الناس، ما دام الدين لا يحرم ذلك.
يقول عمر بن العزيز: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور" وعلى ذلك فالعادة قانون شرعي مطاع؛ لما لها في الشريعة الإسلامية بمقتضى المصلحة من هذا الأثر البيِّن، كذلك نرى لها هذا الأثر الفعال في بعض الشرائع الوضعية.
التَّشْرِيعُ عِنْدَ العَرَبِ
لقد استمد العرب تشريعاتهم من العرف والعادات الجارية فيهم، وآراء حكامهم في النوازل التي كانت تعرض لهم.
وإذا قرأنا تاريخ العرب وتاريخ حكامهم المشهورين، وجدنا هذه الأمثلة الواضحة لكثير من الحكام؛ مثل قصي بن عبد مناف، وعبد المطلب بن هاشم، وغيرهما من الذين
1 / 11