ومتى قيل: من أين علموا ذلك، وعلى أي وجه وقع السؤال؟
قلنا: فيه أقوال: الأول: أنه تعالى أعلمهم أن في ذرية آدم من يفسد ويسفك الدماء، فسألوا هذا السؤال، عن السدي، ولا يقال: فليس في القرآن ذلك؟ قلنا: إذا لم يعلموا الغيب فلا بد أن ذلك علموه بتعليم الله تعالى إياهم مع قطعهم على ذلك.
الثاني: أنه ليس بقطع، ولكن لما فسد الجن قبلهم، وأراد تعالى خلق آدم وذريته قالوا: هل سبيلهم سبيل الجن في الفساد أم لا؟ فهو قياس منهم واستنباط؛ إذ رأوا أن فيهم الشهوة والقدرة وتردد الدواعي كالجن، والأول أظهر.
الثالث: أن في الكلام حذفا واختصارا، وتقديره: أتجعل فيها من يفسد أم تجعل فيها من لا يفسد؟ كقوله: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا) يعني كمن هو غير قانت، فهو سؤال استفهام.
الرابع: أنهم لم يعلموا أن فيهم أنبياء ومصلحين حتى أخبرهم الله تعالى بذلك بقوله: أعلم ما لا تعلمون.
الخامس: أشكل عليهم خلق من يعلم أنه يكفر ممن جميع أفعاله حسنة، ولا يجوز عليه القبيح، فسألوا عن ذلك.
السادس: أشكل عليهم خلق المفسدين مع الإمهال.
السابع: أشكل عليهم أن خليفة الله هل يجوز أن يكون مفسدا فاسقا أم لا؟
فسألوا.
الثامن: أنه لم يشكل عليهم شيء ولكن سؤالهم على وجه للمبالغة في إعظامه تعالى، فسألوا ألا يخلق من يعصيه، فأجاب وأخبر بأنه أعلم بالمصالح، وقيل: هو سؤال تعجيب، يعني كيف يعصي العبد خالقه؟
ومتي قيل: هل سألوا ذلك بإذن أم بغير إذن؟
قلنا: بل بإذن لهم في السؤال لما علم من مصلحتهم في ذلك فأجابهم بأني أعلم ما تعلمون.
صفحه ۳۱۳