[11]
والحمد الله في عافية، راضيا عن الله عز وجل، ساخطا على ذي القرنين حيث لم يجعل السد بيننا وبين أهل العراق كما جعل بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج.
فما كان بعد هذا إلا يسيرا حتى وافى المأمون سنة خمس عشرة ومائتين فنزل بدير مران ومكانه المعروف بالسهم إلى قرب النيرب خارج دمشق بسفح قاسيون. وللمتقدمين في هذا الدير أشعار كثيرة ليس هذا موضعها.
فعمر المأمون هذا الدير وبنى القبيبة التي فوق الجبل. وكان يأمر بالليل بمجامر عظيمة فتوقد، وتجعل في طشوت كبار، وتدلى من فوق الجبل من عند القبيبة بسلاسل وحبال، فتضيء له الغوطة فيبصرها بالليل.
قال: وكان لأبي مسهر حلقة في جامع دمشق بين العشاء والعتمة عند حائطه الشرقي، فبينا أبو مسهر ليلة من الليالي جالس في مجلسه إذ دخل المسجد ضوء عظيم، فقال أبو مسهر: ما هذا؟ قالوا: هذه النار التي تدلى من الجبل لأمير المؤمنين حتى تضيء له الغوطة. فقال أبو مسهر: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} وكان في حلقة أبي مسهر صاحب خبر للمأمون، فرفع ذلك إلى المأمون، فحقدها عليه. فلما رجع المأمون ليمتحن الناس بالقول بخلق القرآن ورد كتابه على عامله بها إسحاق بن يحيى بن معاذ، وذلك سنة ثمان عشرة ومائتين، بحمل أبي مسهر الغساني إليه ليتولى المأمون محنته، قال: فلما دخل على المأمون بالرقة، وقد ضرب رقبة رجل وهو مطروح بين يديه، فوقف أبو مسهر بين يديه في تلك الحال، فامتحنه فلم يجيبه، فأمر به فوضع في النطع لتضرب رقبته، فأجاب وهو في النطع، ثم بعد أن اخرج من النطع رجع عن قوله، ثم أعيد إلى النطع فأجاب، فأمر به أن يوجه إلى بغداد.
صفحه ۱۱