Tafsir Surah An-Nur
تفسير سورة النور
ژانرها
اختلاف العلماء في القذف بالتعريض
إن للعلماء في القذف بالتعريض قولين: القول الأول: مذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة رحمة الله على الجميع أن من قذف أخاه تعريضًا أنه لا يجب عليه حد القذف وإنما يعزر.
القول الثاني: من قذف أخاه تعريضًا فإنه يجب أن يُحَدَّ حد القذف، كالحال فيمن قذف تصريحًا، وهذا هو مذهب الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد رحمة الله على الجميع، يقول الإمام مالك والإمام أحمد في رواية: مَن قال لأخيه: لست بابن زنا، أو ما أنا بابن الزنا، ونحو ذلك من الألفاظ التي يُفْهَم منها أنه يتهم صاحبه، فإنه يُعْتَبَر قاذفًا والعياذ بالله.
واستدل الجمهور بما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي ﵌ أن رجلًا قال له: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال ﵌: هل لك من إبل؟ ...) الحديث، وجه الدلالة أن الرجل اتهم امرأته تعريضًا ولم يصرح، والنبي ﵌ لم يأمر بإقامة الحد عليه، وقال أصحاب هذا القول: إن في اللفظ احتمالًا، وبناءً على ذلك فالأصل براءة المتكلم، حتى تثبت إدانته وتهمته على وجه لاشك فيه ولا مرية.
أما أصحاب القول الثاني فاحتجوا بأدلة، أقواها: قول الله ﵎ في بني إسرائيل: ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء:١٥٦]، فإن بني إسرائيل لم يقولوا لمريم: أنت زانيةٌ صراحةً وإنما قالوا: لها ما ذكر الله: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًَّا﴾ [مريم:٢٨]، فلم يقولوا لها: أنت زانية، وإنما قالوا لها: ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًَّا﴾ [مريم:٢٨]، كأنهم يقولون لها: أنت واقعة في ذلك، أي في الزنا، والله يقول: ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء:١٥٦]، فأثبت أنهم متَّهِمون لها من هذا الوجه، فدل على أن التعريض يأخذ حكم التصريح.
وأصح الأقوال -والعلم عند الله-: أن القذف تعريضًا لا يأخذ الحكم بالقذف تصريحًا، وأنه في هذه الحالة ينبغي زجر المتكلم، والنظر إلى بساط المجلس، فإن كان بساطُ المجلس فيه خصومة أو فيه عداوة يُفهم منها أنه يريد السوء؛ فإنه يُؤدَّب ويُعزَّر، ولا يقام عليه حد القذف، وإنما يعزر بما دون حد القذف، كما أشار إلى ذلك جمهور العلماء ﵏.
3 / 10