وأما الحشائش التى تنبت فى الملح فليس يجب كونها لإفراط البرد واليبس. وذلك أن النبات يحتاج إلى شيئين أحدهما المواد له، والثانى الموضع الملائم لطبعه. فاذا كانت الخصلتان حاضرتين، وجب كون النبات. وقد نجد الثلج فى أقصى الطبائع خارجا عن الاعتدال، وليس فى الإفراط إلا منع ما يجب كونه فى المكان المعتدل فلا يجب كون ما كان فى الثلج؛ وقد نرى النبات ظاهرا، ومن سائر الحيوان ولا سيما الدود (فانه يتولد فى الثلج)، والريباس وكل حشيشة مرة. فأما الثلج فلا يجب أن يكون فيه ذلك؛ ولكن علة كون الثلج. وذلك أن الثلج ينزل شبيها بالدخان فتجمده الريح ويضغطه الهواء، فيكون بين أجزائه تخلخل فيحقن الهواء ويحمى ويرشح من الماء ماء متعفن لما حصره من الهواء. فاذا كانت الحرارة شديدة الاتساع والشمس من علو الموضع خرق الهواء المستكن فى الثلج وكذلك المواضع الكثيرة الملوحة، وظهرت الملوحة المتعفنة، فانعقدت بحر الشمس. فان كان الموضع مستترا تولد فى الثلج الدود وبعض الحيوان؛ وإن كان غير مستتر تولد فيه النبات، وليس يكون له ورق لأنه بعد عن الاعتدال فجانس الأرض، وذلك أن الزهر والورق للحشائش الممتزجة 〈فى〉 المواضع المعتدلة فى الهواء والماء، فمن هناك قل ورق النبات والزهر الذى يعرض فى الثلج، وكذلك المواضع الكثيرة الملوحة والمواضع اليابسة لا يكاد يظهر فيها نبات لأن مواضعها تبعد عن الاعتدال وتقل التندية لبعد الحرارة والرطوبة اللتين هما خاصة الماء العذب. ولذلك صارت التربة العذبة والجبلية يسرع النبات فيها.
أما 〈فى〉 المواضع الحارة، لأن الماء فيها عذب والحرارة فيها يسيرة، فيقع الطبخ من جهتين: من فعل الموضع بالهواء المستكن فيه وطبخ الهواء مع حرارة الشمس فى ذلك الموضع. وأما الجبال فانها تجذب الرطوبات ويعينها صفو الهواء فيسرع الطبخ، ولذلك كان أكثر النبات فى الجبال. فأما البرارى فان الملوحة تغلب هناك، كما أعلمنا آنفا، فيبقى بين أجزاء الرمل تخلخل وهو شبيه بعضه ببعض، ولا يكون للشمس من القوة ما يثبت أصول كون النبات، ولا تكون فى البرارى عقاقير خاصية، بل يشبه بعضها بعضا.
[chapter 4]
صفحه ۲۷۰