{ قل آمنا } الآية تقدم الكلام على نظيرها في البقرة. وهنا قل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وإذا أمر هو بالقول فأمته مأمورون به من حيث المعنى، ولذلك قال في البقرة: قولوا، خطاب للجميع ولذلك جاء الكلام بلفظ الجمع في آمنا، وفي علينا وفي نحن له وهنا جاء بلفظ: على. وفي البقرة بلفظ: إلى، فعبر مرة بالنزول من علو، ومرة بالإنتهاء. (وقال الراغب: إنما قال هنا على لأن ذلك لما كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وكان واصلا إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشرية كان لفظ على المختص بالعلو أولى به وهناك لما كان للأمة وقد وصل إليهم بوساطة النبي صلى الله عليه وسلم كان لفظ الى المختص بالاتصال أولى. " انتهى ".
{ ومن يبتغ غير الإسلام دينا } قرىء بإدغام الغين في الغين، وبالفك. والإسلام هنا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وانتصب دينا على التمييز لأنه يأتي بعد غير كقول العرب ان لنا غيرها إبلا كما ينتصب بعد مثل في قوله: يكفيه مثله صبرا. ولذلك يجوز دخول من عليه ويتعلق في الآخرة بمحذوف يدل عليه الخاسرين أي خاسر في الآخرة وهذا أحسن التخريج.
{ كيف } سؤال معناه التعجب والتعظيم وهي منصوبة بيهدي. وجاء { قوما } غير معينين ونقل أهل التفسير تعيينهم واختلافا فيهم ولفظة قوم تدل على أنهم أكثر من اثنين لأنه اسم جمع فعد منهم طعمة بن أبيرق والحارث بن سويد بن الصامت ووحوح بن الاسلت وأبو عامر الراهب وبعض هؤلاء رجع إلى الإسلام وحسن حاله.
{ وشهدوا } معطوف على كفروا والواو لا ترتب أو معطوفا على إيمانهم مراعى فيه الإنسباك لأن والفعل أي بعد أن آمنوا وشهدوا وأجيز أن يكون حالا تقديره وقد شهدوا والرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم والبينات ما أوتي به عليه السلام من الكتاب المعجز والمعجزات الخارقة. { أولئك جزآؤهم } الآية تقدم الكلام على مثلها في البقرة.
[3.90-92]
{ إن الذين كفروا بعد إيمانهم } قيل: نزلت في اليهود كفروا بعيسى وبالإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم.
{ ثم ازدادوا كفرا } بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد أن آمنوا بنعته في التوراة. { لن تقبل توبتهم } المعنى لا توبة لهم فتقبل فنفي القبول. والمراد نفي التوبة ويكون ذلك في قوم بأعيانهم ختم الله عليهم بالكفر فيموتون عليه ولذلك لم تدخل الفاء في قوله: لن تقبل، إذ قوله الذين لا عموم فيه.
{ إن الذين كفروا وماتوا } لفظ الذين هنا عام فيمن كفر ومات على الكفر فلذلك دخلت الفاء في قوله: فلن يقبل تشبيها للموصول باسم الشرط. وقرىء نقبل بالنون ونصب ملء. وقرىء مل بحذف الهمزة والفاء حركتها على اللام. وانتصب ذهبا على التمييز، ولذلك يجوز دخول من عليه في غير القرآن.
{ ولو افتدى به } قال الزمخشري: فإن قلت: كيف موقع قوله: ولو افتدى به. قلت: هو كلام محمول على المعنى كأنه قيل: فلن تقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا. " انتهى ". وهذا المعنى ينبو عنه هذا التركيب ولا يحتمله والذي يقتضيه هذا التركيب وينبغي أن يحمل عليه أن الله تعالى أخبر أن من مات كافرا لا يقبل منه ما يملأ الأرض من ذهب على كل حال يقصدها، ولو في حالة افتدائه من العذاب لأن حالة الإفتداء هي حالة لا يمتن فيها المفتدي على المفتدي منه، إذ هي حالة قهر من المفتدي منه للمفتدى، وقد قررنا في نحو هذا التركيب ان لو تأتي منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء، وما بعدها جاء تنصيصا على الحالة التي يظن انها لا تندرج فيما قبلها كقوله: اعطوا السائل ولو جاء على فرس مشعر بغناه فلا يناسب أن يعطي. (قال) الزمخشري: ويجوز أن يراد ولو افتدى بمثله كقوله:
ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه
صفحه نامشخص