195

{ من النور } أي من الإيمان وذلك فيمن آمن ثم كفر. وقرىء الطواغيت بالجمع وجوزوا أن يكون يخرجهم ويخرجونهم حالا أو خبرا ثانيا ويظهر أن يكون تفسيرا للولاية.

ولما ذكر أنه تعالى ولي الذين آمنوا وإن الطاغوت ولي الكفار أعقب بهذه القصة مثلا للمؤمن والكافر والذي حاج في إبراهيم هو نمرود بن كنعان بن كوسى بن سام ابن نوح عليه السلام ملك زمانه وصاحب النار والبعوضة. قال مجاهد: ملك الدنيا مؤمنان سليمان وذو القرنين، وكافران نمرود وبخت نصر. وفي نسب النمرود اختلاف، ومعنى حاج: عارض حجته بمثلها.

[2.258]

{ في ربه أن آتاه الله الملك } أي الحامل له على المحاجة إحسان الله إليه فبطر وتكبر حتى انتهى من عتوه إلى هذه المحاجة ووضعها مكان الشكر على هذه النعمة فإن آتاه مفعول من أجله. فأجاز الزمخشري أن يكون التقدير حاج وقت أن آتاه الله الملك فإن عني أن ذلك على حذف مضاف فيمكن ذلك على أن فيه بعدا من جهة ان المحاجة لم تقع وقت أن آتاه الله الملك إلا أن يجوز في الوقت فلا يحمل على ما يقتضيه الظاهر من أنه وقت ابتداء إيتاء الله الملك له ألا ترى أن إيتاء الله الملك إياه سابق على المحاجة وإن عني ان ان والفعل وقعت موقع ظرف الزمان كقولك: جئت خفوق النجم، ومقدم الحاج، وصياح الديك فلا يجوز ذلك، لأن النحويين نصوا: على أنه لا يقوم مقام ظرف الزمان إلا المصدر المصرح بلفظه فلا يجوز: أجيء أن يصيح الديك، ولا جئت إن صاح الديك.

{ إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت } سبق سؤال من الكافر: وهو قوله من ربك أي الذي يتصرف فيك وفي أشباهك بما لا تقدر عليه. وفي قوله: ربي الذي اختصاص فعارضه الكافر بأن أحضر رجلين قتل أحدهما وأرسل الآخر. ولما رأى إبراهيم مغالطة الكافر وادعاءه ما يوهم أنه اله، ذكر له ما لا يمكن أن يغالط فيه ولا أن يدعيه، وقد كان لإبراهيم أن ينازعه فيما ادعاه ولكنه أراد قطع تشغيبه عن قرب وأن لا يطيل معه الكلام إذ شاهد منه ما لا يمكن أن يدعيه عاقل.

{ فإن الله يأتي بالشمس من المشرق } وعدل الى الاسم. الشائع عند العالم كلهم وهو الله وقرر بذلك ان ربه الذي يحيي ويميت هو الله الفاعل لهذا الأمر العظيم، الذي لا يمكنك أن تموه بدعواك كما موهت بالاحياء والاماتة.

{ فبهت الذي كفر } أي دهش وشغل وتحير ونبه على الوصف الموجب لبهته وهو كفره. وقرىء مبنيا للمفعول والفاعل المحذوف إبراهيم أي بهت إبراهيم الكافر بالحجة الدامغة له ومبنيا للفاعل أي فبهته إبراهيم وبهت بضم الهاء وفتح الباء وبفتح الباء وكسر الهاء أي الكافر. وقد منع الله هذا الكافر أن يدعي أنه هو الذي يأتي بالشمس من المشرق إذ من كابر في ادعاء الاحياء والاماتة قد يكابر في ذلك ويدعيه إذ المسألتان سواء في دعوى ما لا يمكن لبشر ولكن جعله مبهوتا دهشا متحيرا إكراما لنبيه إبراهيم وإظهارا لدينه.

[2.259]

{ أو كالذي مر على قرية } قرىء أو حرف عطف وأو بهمزة استفهام والواو العاطفة. والجمهور على أن أو كالذي معطوف على ألم تر من حيث المعنى إذ التقدير أرأيت الذي حاج ونختار أن تكون الكاف اسما إذ قد ثبت اسميتها في كلام العرب على ما تقرر في النحو وإن كان لا يرى ذلك جمهور البصريين، فتكون الكاف اسما إذ قد ثبت اسميتها في كلام العرب في موضع الجر معطوفة على الذي من قوله: ألم تر إلى الذي، التقدير أو إلى مثل الذي مر، ولم يعين سبحانه وتعالى هذا المار ولا القرية إذ المقصود إنما هو في هذه القصة العجيبة ولا حاجة إلى تعيين المار ولا القرية. والخاوي: الخالي. يقال: خوت الدار تخوي خواء، وخويت تخوي خوى، والمعنى: خاوية من أهلها. ثابتة على عروشها أي سقوفها وكل ما يظل ويكن فهو عريش، فالبيوت: قائمة، والجملة حال من الفاعل في مرأ ومن قرية وإن كانت نكرة تأخرت الحال عنها. وقد أجاز ذلك سيبويه في مواضع من كتابة.

قال: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } ليس هذا شكا: بل هو اعتراف بالعجز عن معرفة طريق الاحياء واستعظام لقدرة الله تعالى والاحياء والاماتة مجازان عن الخراب والعمارة أو يكون على حذف، أي رأي أهلها وقد تمزقت جثتهم وتفرقت أوصالهم فتعجب من قدرة الله تعالى على إحيائهم إذ كان مقرا بالبعث.

صفحه نامشخص