تفسیر من وحی قرآن

محمد حسین فضل الله d. 1431 AH
70

إن هذا الدعاء يعالج المسألة في الدائرة الفكرية النظرية على أساس إثارة مسألة الحاجة الذاتية لدى الإنسان في جميع مواقعه وأشكاله ، لتكون رادعا عن توجه الإنسان إلى مثله ، وغفلته عن توجهه إلى ربه.

وهناك دعاء آخر ، يعالج المسألة في الدائرة الواقعية العملية ، على أساس التجربة الحسية في مشاهدات الإنسان المؤمن للنماذج البشرية ، التي عاشت الانبهار بالقوة الظاهرية لبعض الناس ، فاندفعت إليهم لتطلب العزة بهم ، والرفعة من خلالهم ، والثروة بواسطتهم ، فكانت النتائج خيبات أمل كبيرة دفعت الإنسان بعيدا عن قضاياه وحاجاته ، لأن الذين تطلع إليهم ، وتوجه نحوهم ، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا بإذن الله ، فكيف يملكون أن يدفعوه عن غيرهم من دون إذنه ، وإذا كانت المسألة مرتبطة بالله بشكل مباشر ، فلما ذا يبتعدون عنه ، ويقتربون من غيره ، في ما لا يملكه أحد إلا هو؟!

وهذا هو دعاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام متفزعا إلى الله ، وهو من أدعية « الصحيفة السجادية » :

« اللهم إني أخلصت بانقطاعي إليك ، وأقبلت بكلي عليك ، وصرفت وجهي عمن يحتاج إلى رفدك ، وقلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك ... فكم قد رأيت ، يا إلهي ، من أناس طلبوا العز بغيرك فذلوا ، وراموا الثروة من سواك فافتقروا ، وحاولوا الارتفاع فاتضعوا ، فصح بمعاينة أمثالهم حازم وفقه اعتباره ، وأرشده إلى طريق صوابه اختياره ، فأنت ، يا مولاي ، دون كل مسئول موضع مسألتي ، ودون كل مطلوب إليه ولي حاجتي ، أنت المخصوص قبل كل مدعو بدعوتي ، لا يشركك أحد في رجائي ، ولا يتفق أحد معك في دعائي ، ولا ينظمه وإياك ندائي. لك يا إلهي ، وحدانية العدد ، وملكة القدرة الصمد ، ومن سواك مرحوم في عمره ، مغلوب على أمره ، مقهور على شأنه ، مختلف الحالات متنقل في الصفات ، فتعاليت عن الأشباه والأضداد ، وتكبرت

صفحه ۷۷