كما في آية المباهلة التي كان موردها أهل البيت وهم الحسن والحسين عليهما السلام في عنوان ( أبناءنا ) والزهراء عليهما السلام في عنوان ( نساءنا ) والإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام في عنوان ( أنفسنا ) وذلك قوله تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين ) [آل عمران : 61]. ولكنها رسمت خطا عما للمباهلة في كل الموارد التي يحتاج المسلمون إليها ، وهكذا نجد هذه الفكرة في قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) [المائدة : 55] ، فإن المعروف المروي بأسانيد متعددة أنها نزلت في الإمام علي عليه السلام ، ولكنها في الوقت نفسه أطلقت الفكرة ، في العناوين الكبرى ، للذين يتولون الولاية للمسلمين ، في طبيعتها العالية التي توحي بها الصفات المذكورة فيها ، ولهذا ذكرت بأسلوب الجمع لا المفرد ، بحيث تشمل الأئمة عليهم السلام من ولده.
وهكذا نلاحظ هذا الأسلوب في قوله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) [الإنسان : 8 9].
فقد نزلت في علي وفاطمة عليهما السلام ، ولكنها انطلقت من خلالهما ، لترسم الخط العريض للذين يتحركون في هذا الاتجاه ، وبهذه الروح في الإخلاص لله ، والخوف منه والحب له ، والإيثار لعباده من اليتامى والمساكين والأسرى.
وهكذا نجد أن القرآن الكريم لا يتوقف عند الخصوصيات التاريخية التي كانت المنطلق لنزوله ، بل يمتد إلى كل النماذج الحية في الزمن كله ، كما أنه في مفاهيمه العامة يتحرك من أجل أن يشير إلى حركة الواقع ، في قضايا الحق والباطل ، والشرعية واللاشرعية ، ليكون دليلا على خطوط الاستقامة والانحراف في الواقع الإسلامي ، الذي جاء عقب مدة طويلة من وقت نزوله ، ليتحدث عن كل مرحلة جديدة من خلال حديثه عن المرحلة السابقة المماثلة ، وليوجه الناس إلى رموز الحق في المستقبل ، ويبعدهم عن رموز الباطل فيه ،
صفحه ۱۷