187

Tafsir Ibn Kathir

تفسير ابن كثير

ویرایشگر

سامي بن محمد السلامة

ناشر

دار طيبة للنشر والتوزيع

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

۱۴۲۰ ه.ق

ژانرها

تفسیر
مِنْ جَعْلِهِ نَفْسَهُ وَحْدَهُ أَهْلًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْبُدَهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ، وَلَا يُثْنِيَ عَلَيْهِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، وَالْعِبَادَةُ مَقَامٌ عَظِيمٌ (١) يَشْرُفُ بِهِ الْعَبْدُ لِانْتِسَابِهِ إِلَى جَنَابِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا ... فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ رَسُولَهُ بِعَبْدِهِ فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ [فَقَالَ] (٢) ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [الْكَهْفِ: ١] ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الْجِنِّ: ١٩] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١] فَسَمَّاهُ عَبْدًا عِنْدَ إِنْزَالِهِ عَلَيْهِ وَقِيَامِهِ فِي الدَّعْوَةِ وَإِسْرَائِهِ بِهِ، وَأَرْشَدَهُ إِلَى الْقِيَامِ بِالْعِبَادَةِ فِي أَوْقَاتٍ يَضِيقُ صَدْرُهُ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ، حَيْثُ يَقُولُ: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الْحِجْرِ: ٩٧-٩٩] .
وَقَدْ حَكَى فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ مَقَامَ الْعُبُودِيَّةِ أَشْرَفُ مِنْ مَقَامِ الرِّسَالَةِ؛ لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ تَصْدُرُ (٣) مِنَ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ وَالرِّسَالَةُ مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْخَلْقِ؛ قَالَ: وَلِأَنَّ اللَّهَ مُتَوَلِّي مَصَالِحِ عَبْدِهِ، وَالرَّسُولُ مُتَوَلِّي مَصَالِحِ أُمَّتِهِ (٤) وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ، وَالتَّوْجِيهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا حَاصِلَ لَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَخْرُ الدِّينِ بِتَضْعِيفٍ وَلَا رَدَّهُ. وَقَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: الْعِبَادَةُ إِمَّا لِتَحْصِيلِ ثَوَابٍ وَرَدِّ عِقَابٍ؛ قَالُوا: وَهَذَا لَيْسَ بِطَائِلٍ إِذْ مَقْصُودُهُ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ، وَإِمَّا لِلتَّشْرِيفِ بِتَكَالِيفِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا -أَيْضًا-عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ، بَلِ الْعَالِي أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ لِذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْكَمَالِ، قَالُوا: وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُصَلِّي: أُصَلِّي لِلَّهِ، وَلَوْ كَانَ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَدَرْءِ (٥) الْعَذَابِ لَبَطُلَتْ صَلَاتُهُ. وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ آخَرُونَ وَقَالُوا: كَوْنُ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ ﷿، لَا يُنَافِي أَنْ يَطْلُبَ مَعَهَا ثَوَابًا، وَلَا أَنْ يَدْفَعَ عَذَابًا، كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ: أَمَا إِنِّي لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ إِنَّمَا أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ" (٦)
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)﴾
قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالصَّادِّ. وَقُرِئَ: "السِّرَاطَ" وَقُرِئَ بِالزَّايِ، قَالَ الْفَرَّاءَ: وَهِيَ لُغَةُ بَنِي عُذْرَةَ وَبَلْقَيْنِ (٧) وَبَنِي كلب.
لما تقدم الثناء على المسؤول، ﵎، نَاسَبَ أَنْ يُعَقَّبَ بِالسُّؤَالِ؛ كَمَا قَالَ: "فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ" وَهَذَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ السَّائِلِ، أَنْ يَمْدَحَ مسؤوله، ثُمَّ يَسْأَلُ حَاجَتَهُ [وَحَاجَةَ إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿اهْدِنَا﴾] (٨)، لِأَنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ وَأَنْجَعُ لِلْإِجَابَةِ، وَلِهَذَا أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الْأَكْمَلُ، وَقَدْ يَكُونُ السُّؤَالُ بِالْإِخْبَارِ عَنْ حَالِ السَّائِلِ وَاحْتِيَاجِهِ، كَمَا قَالَ مُوسَى ﵇: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [الْقَصَصِ: ٢٤] وقد يتقدمه مع ذلك وصف المسؤول، كَقَوْلِ ذِي النُّونِ: ﴿لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٧] وَقَدْ يكون بمجرد الثناء

(١) في أ: "شريف".
(٢) زيادة من و.
(٣) في أ، و: "تصرفه".
(٤) في أ: "العبد".
(٥) في أ: "ورده".
(٦) رواه أحمد في المسند (٣/٤٧٤) وأبو داود في السنن برقم (٧٩٢) وابن حبان في صحيحه برقم (٥١٤) من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ﵁.
(٧) في أ: "بلقيس".
(٨) زيادة من جـ، ط، أ، و.

1 / 136