يقين (22) إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم (23)) [النمل: 22 23]. فذكر ملكها لهم وما أوتيت وهو ما أعطيت من كل شيء ثم قال : ( ولها عرش عظيم )، وهذا إن كان إياه أراد كما قلنا فهو الإكبار لها والتعظيم ، وإلا فما عظم عرشها أو سريرها ، من التعظيم لها أو لأمرها ، ومن (1) الكبر لقدرها.
وقوله سبحانه : ( ذو العرش ) [غافر : 15 ، البروج : 15]. فتأويله : ذو الملك لا يتوهم ذلك كرسي منصوب ، لقوائمه في جوانبه ثقوب. ومثل ما ذكرنا في العرش من التمثيل للعباد بما يعرفون ، لا على ما يعلمون من خواص أحوالهم ويوقنون ، مما جل تبارك وتعالى عن مماثلتهم فيه ، أو أن يقع شيء من حقائق صفاتهم به عليه ، ما يقول سبحانه : ( وترى الملائكة حافين من حول العرش ) [الزمر : 75]. وذلك فمقام الحكم في يوم القيامة والبعث وموقف الجزاء ، ثم من الله والقضاء ، بدائم السخطة منه والارتضاء.
وفي ذلك أيضا ومثله ، من موقف حكمه وفصله ، ما يقول سبحانه : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية (17) يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية (18)) [الحاقة : 17 18]. وذلك فيوم العرض للعباد على المليك ، العلي الذي علا وتقدس عن مشاركة كل شريك ، يمثل ذلك سبحانه لهم بما قد رأوا ، وعرفوا وأبصروا ، من ملوك الدنيا إذا عرضوا ، فحكموا وقضوا ، كيف تنصب لهم يوم ذلك عروشهم وكراسيهم ، للقضاء في أهل مملكتهم ومن تحت أيديهم.
وكل ما أمكن في العرش والكرسي من التمثيل ، فقد يمكن والحمد لله في حملة العرش مثله من التأويل ، وكذلك فقد يكون ذكر الله العرش وحملته من التمثيل ، في موقف الحكم والقضاء والتفصيل ، على ما قد رأوا من ملوك الدنيا (2) وعرفوا ، لا على ما قال الجاهلون بالله ووصفوا. وكما جاز ذكر العرش للقضاء والفصل ، فقد يجوز مثله فيما ذكر للعرش من الحمل ، ولا تقبل العقول ، أن الله محمول ، كما يعرف
صفحه ۶۶۷