تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
ژانرها
[2.180]
{ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } استئناف لاظهار حكم آخر غير مرتبط بسابقه ولذا قطعه عن سابقه، وعامل اذا فعل الشرط كما هو قول المحققين فى جميع موارد اذا لا كتب كما قيل؛ لأنه للماضى واذا للمستقبل، ولا الوصية لعدم جواز تقدم معمول المصدر المعرف باللام وان كان ظرفا عليه، وجوابه محذوف وهو جملة معترضة بين الفعل ومرفوعه اى { إذا حضر أحدكم الموت } فليوص، او جوابه قوله تعالى { إن ترك خيرا } على القول بعدم لزوم الفاء فى جواب اذا، او جوابه قوله تعالى { الوصية للوالدين } على هذا القول، وعلى هذا فجملة { إذا حضر أحدكم الموت } نائب فاعل كتب لان فيه معنى القول وجملة ان ترك خيرا معترضة كما كانت معترضة على تقدير حذف جواب اذا؛ والمراد بالخير اما مطلق المال او المال الكثير كما نسب الى امير المؤمنين (ع) انه دخل على مولى له فى مرضه وله سبعمائة درهم او ستمائة فقال: الا اوصى؟ - قال: لا انما قال الله تعالى ان ترك خيرا وليس لك كثير مال وروى هذا الخبر وغيره بهذا المضمون عن طريق العامة أيضا، والوصية نائب فاعل لكتب وتذكير الفعل لكون الوصية مؤنثا مجازيا، ويجوز ان يكون الوصية مبتدأ وللوالدين خبره والجملة نائب فاعل كتب { والأقربين بالمعروف } بوصية يعرفها العقل والعرف حسنا فان المعروف صار اسما لما استحسنه العرف يعنى بوصية لا يكون فيها حيف واضرار بالوارث مثل ان كان له كثير مال يستغنى وارثه ببعضه ويكون الوالدان والاقربون محتاجين ويوصى لهم بما لا يحوج الوارث { حقا } حق حقا مفعول مطلق مؤكد لنفسه ان جعل مؤكدا لمضمون كتب، ومؤكد لغيره ان جعل مؤكدا لمضمون الوصية للوالدين { على المتقين } بدل من عليكم او متعلق بحقا وعلى اى تقدير فهو تنبيه على ان المنظور فى تشريع الاحكام اولو الالباب وهم المؤمنون المبائعون بالبيعة الخاصة وأما غيرهم فلا نظر اليهم فى شيء من أحكام البشر ومنافعه وايجاد الاشياء لاجله الا تبعا، وما ورد فى الاخبار من نسخ هذه الآية بآية المواريث يدل على أنه كان المقصود من الكتب الفرض وأن المنسوخ هو الوجوب لا الجواز والا ففى آية المواريث ذكر من بعد وصية وهو يؤكد ثبوت الوصية لا أنها تنسخها، ونسب الى امير المؤمنين (ع) انه قال: من لم يوص عند موته لذوى قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية، ونسب الى الصادق (ع) انه شيء جعله الله تعالى لصاحب هذا الامر قيل: هل لذلك حد؟ - قال: ادنى ما يكون ثلث الثلث، وعنه (ع) انه حق جعله الله تعالى فى أموال الناس لصاحب هذا الامر قيل: لذلك حد محدود؟ - قال: نعم، قيل: كم؟ - قال: أدناه السدس وأكثره الثلث.
[2.181]
{ فمن بدله } اى كتب الوصية بان لا يعمل به ويترك الايصاء للوالدين والاقربين او من بدل الوصية الثابتة من المحتضر سواء كان المبدل الوصى او الوارث او الشهود او الحاكم، وتذكير الضمير باعتبار الايصاء { بعد ما سمعه } اى فرض الله وحكمه على الاول والايصاء على الثانى والتقييد به اشارة الى انه مثل سائر التكاليف لا مؤاخذة عليه قبل العلم به { فإنما إثمه على الذين يبدلونه } وضع الظاهر موضع المضمر اشعارا بعلة الحكم وزيادة زجر منه بتكريره والحصر هاهنا حصر قلب ادعائى فرضى فانه تعالى جرى على طريقة المخاطبات العرفية واهل العرف اذا ارادوا المبالغة فى المنع عن شيء او الترغيب فى شيء يقولون: لا تفعله فليس وباله الا عليك، او افعله فليس أجره الا لك كأن المتكلم يدعى ان فاعل هذا القبيح يعلم ان على هذا الفعل عقوبة لكن يحسب أن عقوبته على غير الفاعل فيفعله فيقول: ليس كما زعمت ليس وباله الا عليك وهكذا الحال فى الترغيب { إن الله سميع } لما قاله الموصى حين الايصاء او المبدلون حين التبديل { عليم } بأغراضهم فيجازى كلا بحسب قوله وغرضه وهو تهديد للمبدلين.
[2.182]
{ فمن خاف } الفاء للتعقيب باعتبار لازم الحكم اى العلم بالحكم كأنه قال بعد ما علم الاثم على مبدل الوصية فاعلم انه لا اثم على مبدل خاف { من موص جنفا } ميلا عن الحق خطأ كما فسر فى الخبر { أو إثما } ميلا عنه عمدا والمراد الزيادة عن الثلث، او اضرار الوارث بان كان المال قليلا والوارث محتاجا او حرمان بعض الوارث او كلهم { فأصلح بينهم } بين الوارث والموصى له او بين الموصى والورثة بان غير الوصية بعد وفاة الموصى او بان منع الموصى عن الوصية بنحو الاضرار حال حياته ومنع الوارث عن ان يمنعوا الموصى عن الوصية الى الثلث { فلا إثم عليه } فى التبديل او فى المنع المذكور { إن الله غفور } يغفر ما يتوهم من الاثم على التبديل بعد التسجيل بالاثم على المبدل { رحيم } يرحم ويتفضل على المصلح رفع للحرج عن المصلح ووعد له بالرحمة، والاشكال بأن الخوف من المحتمل الوقوع، لا مما وقع وتعلق خاف هاهنا بما وقع من الوصية والجنف فيه مدفوع بأن المعنى: من خاف من موص من حيث انه موص جنفا او اثما حين ارادة الوصية، او المعنى: من علم من موص فان استعمال الخوف فى العلم كثير ولا حاجة الى بعض التكلفات والاخبار تدل على المعنى الاخير، فعن الباقر (ع) أنه سئل عن قول الله تعالى: فمن بدله قال نسختها الآية التى بعدها { فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه } قال (ع) يعنى الموصى اليه ان خاف جنفا من الموصى فيما اوصى به اليه فيما لا يرضى الله تعالى به من خلاف الحق فلا اثم على الموصى اليه ان يرده الى الحق والى ما يرضى الله تعالى به من سبيل الخير ويجوز حمل هذا الخبر على التبديل حال الحياة، وعن الصادق (ع) اذا اوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصى ان يغير وصيته بل يمضيها على ما أوصى الا ان يوصى بغير ما أمر الله تعالى فيعصى فى الوصية ويظلم، فالموصى اليه جائز له ان يردها الى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض ورثته ويحرم بعضها فالوصى جائز ان يردها الى الحق فالجنف الميل الى بعض ورثتك دون بعض، والاثم ان تأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصى ان لا يعمل بشيء من ذلك.
[2.183]
{ يأيها الذين آمنوا } لما كان هذا الحكم نوعا آخر من التكليف غير التكليف غير الاول الذى كان فى المعاملات وكان من أشق العبادات صدره بالنداء ليتدارك كلفة التكليف بلذة المخاطبة، وعن الصادق (ع) ان لذة النداء ازال تعب العبادة والعناء وقد سبق مكررا ان المراد بالايمان فى امثال المقام الايمان العام الحاصل بالبيعة العامة وقبول الدعوة الظاهرة وعن الصادق (ع) انه سئل عن هذه الآية وعن قوله سبحانه:
كتب عليكم القتال
[البقرة: 216] فقال (ع): هذه كلها تجمع الضلال والمنافقين وكل من أقر بالدعوة الظاهرة { كتب } اى فى اللوح المحفوظ او فى صدر النبى (ص) او فى الكتاب التدوينى الالهى او فرض { عليكم الصيام } الصوم والصيام مصدرا صام يصوم صوما بمعنى الامساك المطلق لغة وبمعنى الامساك المخصوص شرعا { كما كتب على الذين من قبلكم } يعنى انها عبادة قديمة كانت واجبة من لدن آدم (ع) فانه لم يكن نبى الا كان فى شريعته امساك ما، روى عن امير المؤمنين (ع) ان اولهم آدم فالتشبيه فى اصل الامساك المخصوص المشروع لا فى جميع مخصصاته فانه لم يكن صيامنا موافقا لصيام اليهود والنصارى فى الوقت وعدد الايام والممسك عنه { لعلكم تتقون } تتصفون بالتقوى وتصيرون اتقياء او لعلكم تتقون المعاصى ودواعى النفس لان امساك النفس عن المأكول والمشروب مدة غير معتادة يضعفها وفى ضعفها ضعف دواعيها ومقتضياتها وقوة العقل واقتضائه للتقوى عما هو شر للانسان، نسب الى النبى (ص) انه قال: خصاء امتى الصوم، وفى الخبر: من لم يستطع الباءة فليصم فان الصوم له وجاء. وعن الصادق (ع) انه قال: انما فرض الصيام ليستوى به الغنى والفقير وذلك ان الغنى لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير فأراد الله سبحانه ان يذيق الغنى مس الجوع ليرق على الضعيف ويرحم الجائع.
صفحه نامشخص