تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
ژانرها
{ وظللنا عليكم الغمام } حين كونكم تائهين فى التيه ليقيكم من ضر حر الشمس وبرد القمر { وأنزلنا عليكم المن } فسر المن بالترنجبين { والسلوى } بالعسل وبالطائر المشوى وبالسمانى وهو طير يشبه الحمام أطول ساقا وعنقا منه { كلوا } اى قائلين كلوا { من طيبات ما رزقناكم } والامر فى أمثال المقام أعم من الاباحة والوجوب والرجحان بحسب اعداد الاشخاص واحوال الشخص الواحد ومقدار الاكل لشخص واحد فى حال واحدة والمراد بما رزقه الله هاهنا ان كان المن والسلوى فاضافة الطيبات للتبيين لا للتقييد، وان كان المراد مطلق ما رزقه الله العباد فالاضافة للتقييد اى تقييد المضاف اليه بالمضاف، او نقول: ان كان المراد بالمرزوق المن والسلوى فطيبوبته وعد طيبوبته بذكر اسم الله عليه وعدمه والمعنى كلوا مما ذكر اسم الله عليه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وحينئذ فالاضافة للتقييد وفى تفسير القمى لما عبر موسى (ع) بهم البحر نزلوا فى مفازة فقالوا: يا موسى أهلكتنا وأخرجتنا من العمران الى مفازة لا ظل فيها ولا شجر ولا ماء فكانت تجيئ بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وتنزل عليهم بالليل المن فيأكلونه وبالعشى يجيئ طائر مشوى فيقع على موائدهم فاذا أكلوا وشبعوا طار عنهم وكان مع موسى (ع) حجر يضعه فى وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فينفجر منه اثنتا عشرة عينا فيذهب الماء الى كل سبط وكانوا اثنى عشر سبطا فلما طال عليهم ملوا وقالوا: يا موسى لن نصبر على طعام واحد { وما ظلمونا } بكفران النعمة واستبدال الادنى بالذى هو خير اوما ظلمونا بالاعتراض على موسى (ع) وعدم مراعاة تعزيزه وتوقيره وهو تعريض بأمة محمد (ص) وكفرانهم النعمة وعدم تعظيم محمد (ص) والائمة (ع). وعن الباقر (ع) انه قال: ان الله أعظم وأعز وأجل وأمنع من ان يظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول:
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا
[المائدة:55] يعنى الائمة منا { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } باستبدال الادنى بالذى هو خير، او بازالة النعمة بالكفران، او بظلم الائمة الذين هم أنفس الاخلائق وذواتهم حقيقة، او بظلم الائمة المسبب او السبب لاهلاك أنفسهم.
[2.58]
{ وإذ قلنا } واذكروا يا بنى اسرائيل اذ قلنا لكم حين خرجتم من التيه { ادخلوا هذه القرية } وهى بيت المقدس او اريحا من بلاد الشام { فكلوا منها حيث شئتم رغدا } واسعا بلا تعب { وادخلوا الباب } اى باب القرية او باب القبة التى فى بيت المقدس كانوا يصلون اليها { سجدا } ساجدين لله او خاضعين متواضعين للشكر على خروجكم من التيه ذكر أنه مثل الله تعالى على الباب مثال محمد (ص) وعلى (ع) وأمرهم ان يسجدوا تعظيما لذلك ويجددوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم { وقولوا } بألسنتكم هذه الفعلة من السجود والتعظيم لمثال محمد (ص) وعلى (ع) { حطة } لذنوبنا او قولوا بألسنة قلوبكم او اعتقدوا ذلك او هو مصدر مبنى للمفعول اى قولوا بألسنة اجسادكم او قلوبكم لنا حطة وسفلية بالنسبة الى المثال المذكور وهى فعله من حطة اذا أنزله وألقاه وقرئ حطة بالنصب مفعولا لفعل محذوف وعلى أى تقدير فهذه الكلمة اما جزء جملة محذوفة المبتدأ او محذوفة الخبر أو قائمة مقام جملة محذوفة وعلى التقادير فهى اما انشائية دعائية او خبرية { نغفر لكم خطاياكم } لمن كان مخطئا منكم { وسنزيد المحسنين } منكم الجملة مستأنفة لبيان حال المحسن مخطئ كان او غير مخطئ.
[2.59]
{ فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } اى لم يسجدوا كما أمروا ولا قالوا ما أمروا بل دخلوا الباب بأستاههم وقالوا بدل حطة: حنطة حمراء نتقوتها أحب الينا من هذا الفعل وهذا القول، او قالوا حنطة فى شعير. وروى أنه كان خلافهم انهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا وقالوا: ما بالنا نحتاج ان نركع عند الدخول هيهنا ظننا أنه باب متطأ من لا بد من الركوع فيه وهذا باب مرتفع والى متى يسخر بنا هؤلاء يعنون موسى ثم يوشع بن نون ويسجدوننا فى الاباطيل وجعلوا أستاههم نحو الباب وقالوا بدل قولهم حطة: ما معناه حنطة حمراء فذلك تبديلهم { فأنزلنا على الذين ظلموا } وضع الظاهر موضع المضمر وتكرار الموصول لتمكين قبح الظلم فى قلوب المستمعين والاشعار بسببيته للزجر كما ان تعليق التبديل على الموصول كان للاشعار بسببيته لتبديل قول النبى (ص) الذى هو قول الله والمقصود التعريض بأمة محمد (ص) وظلمهم لاهل البيت (ع) وتبديلهم قول النبى (ص) ونسب الى الباقر (ع) أنه قال: نزل جبرئيل (ع) بهذه الآية فبدل الذين ظلموا آل محمد (ص) حقهم غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد (ع) وهذا باعتبار المعرض به والمقصود من الآية { رجزا من السمآء } الرجز بالكسر وبالضم بمعنى العذاب او النجاسة او مطلق ما يعاف عنه كالرجس { بما كانوا يفسقون } يخرجون من امر الله وطاعته ذكر ان الرجز الذى أصابهم انه مات منهم فى بعض يوم بالطاعون مائة وعشرون ألفا وهم الذين كانوا فى علم الله أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون ولم ينزل على من علم أنه يتوب او يخرج من صلبه ذرية طيبة.
[2.60]
{ و } اذكروا { إذ استسقى موسى لقومه } لم يقل لكم بالخطاب كما أتى بخطاب الحاضرين من بنى اسرائيل فى السابق واللاحق تجديدا للاسلوب واشعارا بأن استسقاء موسى كان لبنى اسرائيل من حيث كونهم قومه وموافقين له متضرعين اليه مستحقين لطلب الرحمة لهم وليس الحاضرون مثالا لهم من هذه الجهة حتى يخاطبوا من هذه الحيثية فانهم لما عطشوا فى التيه التجأوا الى موسى وتضرعوا عليه واستسلموا لأمره فاستسقى لهم { فقلنا اضرب بعصاك الحجر } وكان ذلك الحجر حجرا مخصوصا فضربه بها داعيا بمحمد (ص) وآله الطيبين (ع) نسب الى الباقر (ع) انه قال نزلت ثلاثة احجار من الجنة؛ مقام ابراهيم (ع)، وحجر بنى اسرائيل، والحجر الاسود. وعنه اذا خرج القائم من مكة ينادى مناديه: الا لا يحملن أحد طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير ولا ينزل منزلا الا انفجرت منه عيون؛ فمن كان جائعا شبع، ومن كان ظمأن روى، ورويت دوابهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة { فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس } من الاسباط الاثنى عشر من اولاد يعقوب { مشربهم } ولا يزاحمون الآخرين فى مشربهم، وكأن مشرب كل كان معلوما مميزا عن مشارب الآخرين قائلين لهم { كلوا } من المن والسلوى، او كانت العيون تنبع بما فيه غذاؤهم وشرابهم كما أشار اليه الخبر السابق { واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين } حال مؤكدة فان العثو بمعنى الافساد.
[2.61]
صفحه نامشخص