تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
ژانرها
{ فتاب عليه } توبة العبد من الشئ ادباره عنه مع الانزجار منه سواء كان ذلك الشئ من المعاصى الظاهرة او الباطنة، او المقامات النازلة التى يقف العبد فيها او المشاهدات التى قد يفتتن السالك بها، او الخطرات التى توبة الاولياء منها، او الالتفات الى غير الله الذى توبة الانبياء منه؛ وهى قسيمة للانابة فان الانابة الاقبال والرجوع.
اعلم ان سلوك السالك لا يتم الا بجانبين؛ البرائة والولاية ويعبر عنهما بالتوبة والانابة؛ وبالزكاة والصلاة، وبالصيام والصلاة، والتبرى والتولى، والنفى والاثبات، والنهى والامر، والخوف والرجاء، والترهيب والترغيب؛ ولذا لم يكن شريعة من لدن آدم (ع) الا وفيها زكوة وصلوة وكان الكلمة الجامعة بين النفى والاثبات اشرف الاذكار، وكان اشرف الكل لا اله الا الله لاعتبارات ليست فى غيرها كما سنذكره ان شاء الله فى بيان قوله:
فاذكرونى أذكركم
فى هذه السورة، واذا عدى التوبة بالى كانت مشعرة بالجمع بين التوبة والانابة، واذا نسبت الى العبد عديت بالى للدلالة على الانتهاء، واذا نسبت الى الله عديت بعلى للدلالة على الاستعلاء والاستيلاء.
تحقيق توبة الرب فى توبة العبد
{ إنه هو التواب } كثير التوبة منحصرة فيه لان توبة العبد كسائر خصاله اظلال صفات الحق فان توبة العبد ظل لتوبة الرب بل هى توبة الرب فى مقام شأنه النازل فلا تائب الا هو، ونسبتها الى العبد محض اعتبار ففى توبة العبد تكرار ظهور لتوبة الرب فانه ما لم يظهر توبة الله فى شؤنه العالية لم تظهر فى مظهره النازل فهو تعالى كثير التوبة باعتبار كثرة ظهورها ولا تواب سواه باعتبار ان توبة العبد توبته { الرحيم } لا رحيم سواه كحصر التوبة وافاضة الرحمة الرحيمية على العبد بعد توبة الرب فى توبة العبد كاللازم الغير المنفك منها ولذا عقبها بها.
[2.38]
{ قلنا اهبطوا منها جميعا } ووجه التأكيد والتكرير التغليظ والتطويل المطلوب فى مقام السخط والتمهيد للوعد والوعيد الآتى وجميعا حال فى معنى التأكيد كأنه قال أجمعين ولا دلالة له على الاجتماع فى زمان الحكم بل له الدلالة على عموم الحكم بجملة افراد المحكوم عليه فقط بخلاف مجتمعين فانه يدل على الاتفاق فى زمان الحكم { فإما يأتينكم مني هدى } اما ان الشرطية وما الزائدة لتأكيد الشرط ولذا يؤتى بعده بنون التأكيد، واتيان الهدى من الله اما على لسان الرسول الظاهرى او الباطنى هذا على ظاهر المفهوم المصدرى من الهدى والا فالهدى حقيقة جوهرية من شؤن النفس الانسانية ولسان الرسول الظاهرى او الباطنى معد للنفس، والمفيض فى الحقيقة هو الله، والمفاض حقيقة من الحقائق، والمفاض عليه هو النفس الانسانية، وعلى هذا فالاتيان باداة الشك فى محله لان تلك الحقيقة لا تحصل لكل فرد من الافراد، وكثيرا ما تحصل لشخص ثم تسلب عنه ولذا أتى بالجواب جملة شرطية او كالشرطية فقال { فمن تبع هداي } لفظة من شرطية او موصولة متضمنة لمعنى الشرط وتكرار الهدى للتمكين فى القلوب وللترغيب فى الاتباع بتصوير مفهومه الصريح؛ ولتعليل الحكم بذلك، ويجوز ان يراد بالهدى الرسول او خليفته فانه لكونه متشئ بالهدى فكأنه لا حقيقة له سوى الهدى، او يراد معنى أعم من الثلاثة اى { فاما يأتينكم منى } سبب هداية او حقيقة هداية أو هاد؛ { فمن تبع هداي } { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.
تحقيق بيان اختلاف الفقرتين من قوله { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.
الخوف حالة حاصلة من الاستشعار بورود مكروه وتوقع وروده ويستلزمها انقباض القلب واجتماع الروح الحيوانية والحرارة الغريزية فى الباطن والقلب واحتراق دم القلب وتصاعد بخار دخانى الى الدماغ واحتراق الدماغ وتولد السوداء والماليخوليا ان طالت مدتها، ولما كان الخوف واردا من الخوف منه على الخائف كأن المخوف منه فاعله والمخالف واقع عليه الخوف أخبر عن الجار والمجرور بعلى مع ان القياس يقتضى ان يخبر عن المصادر بالجار والمجرور باللام او بمن اذا وقع الفاعل عقيب حرف الجر مخبرا به، وايضا الخوف يقتضى الاستيلاء على النفس بحيث لا تتمالك ويناسبه لفظ على، ويحتمل ان يكون المعنى لا خوف لغيرهم عليهم يعنى لا ينبغى ان يخاف عليهم وحينئذ فلا اشكال. والحزن حالة حاصلة من استشعار فوات محبوب فى الحال او فى الاستقبال ويستلزمه ايضا انقباض القلب واجتماع الروح الحيوانية والحرارة الغريزية فى الباطن والقلب وسائر لوازم ذلك وقلما ينفكان وهكذا الغم والهم فكان الحزن ينبعث من باطن الحزين من حيث انه مستشعر لفوات المحبوب وليس لورود امر من خارج وللاشعار بهذه اللطيفة جاء بالقرينتين مختلفتين فان حق العبارة ان يقول فلا خوف عليهم ولا حزن او فلا هم يخافون ولا هم يحزنون، ويستعمل الحزن من باب علم لازما ومن باب قتل متعديا.
صفحه نامشخص