تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
ژانرها
واعلم ايضا ان النور العرضى الذى به يستضيئ السطوح معرف بأنه ظاهر بذاته مظهر لغيره وهذا التعريف فى الحقيقة للوجود وهو اولى به من النور العرضى؛ فان النور ظاهر للابصار مظهر لغيره على الابصار لا على سائر المدارك، وظهوره ليس بذاته وبمهيته النورية بل بوجوده فالنور بما هو مهية من الماهيات ليس ظاهرا بنفسه بل هو بما هو وجود ظاهر بنفسه اى بجزئه الذى هو الوجود لا بالجزء الآخر ولا بالمجموع بخلاف الوجود فانه بسيط ظاهر بذاته لا بشيئ آخر مظهر لغيره الذى هو المهية اية مهية كانت ومظهر لنقيضه الذى هو العدم، وظهوره ليس على مدرك واحد بل هو ظاهر ومظهر لكل الاشياء على جميع المدارك فهو اقوى فى النورية من النور العرضى، وكما ان النور العرضى اذا قابله جسم صلب كثيف غير شفاف ينفذ النور فيه على استقامته سواء كان صيقليا كالبلور او غير صيقلى كغيره من الاحجار الصلبة واجتمع النور فيه وتراكم ظهر منه آثار غير النورية مثل النار الحاصلة خلف البلورة اذا قابلت نور الشمس والنار المكمونة فى الاحجار الكبريتية وغيرها كذلك النور الحقيقى اذا قابله ما لم ينفذ فيه على الاستقامة كالمادة القابلة التى لا جهة فعلية فيها سوى القوة، وعالم الاجسام الذى ليس فيه الا جهة القبول لا الفاعلية واجتمع الوجودات الضعيفة والكثرات البعيدة من الوحدة حصل من اجتماع الانوار نار مكمونة فيه او خلفه وتعلو بتلك النار نفس مناسبة لها شريرة اما بعيدة عن الخير ظاهرة النارية نظيرها النار الظاهرة خلف البلورة البعيدة من الجسم المستنير، او قريبة من الخير نظيرها النار المكمونة فى الاحجار، والقسم الاول الشياطين والقسم الثانى الجنة ففى النور نار مكمونة والنار نور مكمون او ظاهر، فعلى هذا لا حاجة الى تأويل الآيات والاخبار الدالة على خلق الشياطين والجنة من النار كما فعلته الفلاسفة، ولا الى تصحيحها بتجويز خلقها فى كرة الدخان المنافى لكثير من قواعدهم ولكثير من آثار الشياطين التى ذكروها فى الشريعة، ولا الى انكار وجودهم الا بالتأويل، ولا الى جعلهم نوعا من الملائكة؛ فان الملائكة خلقوا من النور وهم خلقوا من النار وان كان لهم نورية كنورية النار المختلطة، وكون آدم مخلوقا من الطين باعتبار ان التراب والماء غالبان فى مادته والا فمادته مركبة من العناصر الاربعة.
[2.35]
{ وقلنا } بعد خلق آدم (ع) وخلق حواء لأنسه بها وسجود الملائكة له واباء ابليس من السجود.
{ ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة } التى هى من جنان الدنيا لا من جنان الآخرة التى هى للانسان بعد خلاصه من البنيان العنصرى فانه من دخلها لم يخرج منها وسيأتى الاشارة الى وجه كونها من جنان الدنيا { وكلا منها } رزقكما الخاص بكما من أثمار الجنة وفواكه الاعمال وحبوبها { رغدا } رزقا واسعا او اكلا واسعا { حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة } اطلق لهما الاكل من اى مأكول شاء او فى اى مكان وزمان أرادا ونهاهما عن الاكل من شجرة مخصوصة، وتعليق النهى على القرب من الشجرة للمبالغة فى النهى عن الاكل، او للنهى عن القرب حقيقة فان القرب من الشيئ يورث توقان النفس اليه.
اعلم أن قصة خلق آدم (ع) وحواء (ع) من الطين ومن ضلعه الايسر ومن امر الملائكة بسجود آدم (ع) واباء ابليس عن السجدة واسكان آدم (ع) وحواء (ع) الجنة ونهاهما عن اكل شجرة من اشجارها ووسوسة ابليس لهما واكلهما من الشجرة المنهية وهبوطهما من المرموزات المذكورة فى كتب الامم السالفة وتواريخهم كما ذكرنا سابقا. فالمراد بآدم فى العالم الصغير اللطيفة العاقلة الآدمية الخليفة على الملائكة الارضيين وعلى الجنة والشياطين المطرودين عن وجه ارض النفس والطبع المسجودة للملائكة المخلوقة من الطين الساكنة فى جنة النفس الانسانية وهى أعلى عن مقام النفس الحيوانية المخلوق من ضلع جنبها الايسر الذى يلى النفس الحيوانية زوجتها المسماة بحواء لكدورة لونها بقربها من النفس الحيوانية، والمراد بالشجرة المنهية مرتبة النفس الانسانية التى هى جامعة لمقام الحيوانية والمرتبة الآدمية، والمراد بالحية واختفاء ابليس بين لحييها القوة الواهمة فانها لكونها مظهرا لابليس تسمى بابليس فى العالم الصغير، ووسوسته تزيينها ما لا حقيقة له للجنب الايسر من آدم المعبر عنه بحواء وهبوط آدم (ع) وحواء (ع) عبارة عن تنزلهما الى مقام الحيوانية، وهبوط ابليس والحية وذريتهما عبارة عن تنزلها عن مقام التبعية لآدم؛ فان ابليس لما كان الواهمة احد مظاهره كان رفعتها رفعته، وشرافتها باستخدام آدم لها شرافته، وهبوط الواهمة كان هبوطا له، واذا اريد بالشجرة النفس الانسانية ارتفع الاختلاف من الاخبار فان النفس الانسانية شجرة لها انواع الثمار والحبوب واصناف الاوصاف والخصال لان الحبوب والثمار وان لم تكن بوجوداتها العينية الدانية موجودة فيها لكن الكل بحقائقها موجودة فيها فتعيين تلك الشجرة بشيء من الحبوب والثمار او العلوم والاوصاف بيان لبعض شؤنها . روى فى تفسير الامام (ع) انها شجرة علم محمد (ص) وآل محمد (ع) الذين آثرهم الله تعالى به دون سائر خلقه فقال الله تعالى: { ولا تقربا هذه الشجرة }؛ شجرة العلم فانها لمحمد (ص) وآله (ع) دون غيرهم ولا يتناول منها بأمر الله الاهم، ومنها ما كان يتناوله النبى (ص) وعلى (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) بعد اطعامهم المسكين واليتيم والاسير حتى لم يحسوا بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب وهى شجرة تميزت من بين سائر الاشجار بان كلا منها انما يحمل نوعا من الثمار وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البر والعنب والتين والعناب وسائر أنواع الثمار والفواكه والاطعمة، فلذلك اختلف الحاكون فقال بعضهم: برة، وقال آخرون: هى عنبة، وقال آخرون: هى عنابة، وهى الشجرة التى من تناول منها باذن الله ألهم علم الاولين والآخرين من غير تعلم، ومن تناول بغير اذن الله خاب من مراده وعصى ربه.
أقول: آخر الحديث يدل على ما قالته الصوفية من ان السالك ما لم يتم سلوكه ولم ينته الى مقام الفناء ولم يرجع الى الصحو بعد المحو باذن الله لم يجز له الاشتغال بالكثرات ومقتضيات النفس زائدا على قدر الضرورة وشجرة علم محمد (ص) وآل محمد (ع) اشارة الى مقام النفس الجامع لكمالات الكثرة والوحدة { فتكونا من الظالمين } الفاء سببية دالة على سببية الاكل لصيرورتهما من الظالمين اى لحدوث الظلم بعد الاتصاف بالمتضادات يعنى ان الاكل من الشجرة يصير سببا للاتصاف بالمتضادات وهو يقتضى منع الحقوق عن أهلها واعطائها لغير اهلها، او لحدوث الاتصاف بالظلم ابتداء يعنى ان الاكل من الشجرة حين عدم استحقاق الاكل ظلم فاذا أكلتما صرتما متصفين بالظلم، اولاعم من حدوث الظلم بواسطة او بلا واسطة.
[2.36]
{ فأزلهما الشيطان عنها } اصدر عثرتهما عن جهة الشجرة، او أزالهما عن الجنة بالعثرة بوسوسته وخديعته بان اختفى بين لحيى الحية وقرب من مقام آدم (ع) وقال لآم (ع) ما حكاه الله تعالى ورد آدم (ع) عليه وظن ان الحية تخاطبه فلما ايس من قبول آدم (ع) عاد ثانيا الى حواء فخاطبها وخدعها حتى اكلت ثم اغتر آدم (ع) فأكل فلما اكلا حصل لهما الشعور بالشعور فأدركا من سؤاتهما ما لم يكونا يدركانه قبل ذلك { فأخرجهما مما كانا فيه } من الجنة التى كانا فيها، او من مقامهما الذى كانا فيه { وقلنا } لآدم (ع) وحواء { اهبطوا بعضكم لبعض عدو } جمع الضمير لارادة ذريتهما معهما لكونهما اصلين لهم، او قلنا لآدم (ع) وحواء (ع) وابليس والحية { ولكم في الأرض } ارض الطبع والنفس الحيوانية او أرض العالم الكبير { مستقر ومتاع } ما تنتفعون به او تمتع { إلى حين } حين ينقضى آجالكم وقيام قيامتكم الصغرى.
اعلم انه تعالى باقتضاء حكمته الكاملة يخلى بين آدم ومشتهياته المنسوبة الى نفسه الدانية ليهبط من مقامه العالى الى سجن الدنيا ليستكمل فيه ويستكثر نسله وأتباعه كما قال المولوى قدس سره:
سن جو آدم بودم اول حبس كرب
صفحه نامشخص