تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
ژانرها
{ ولقد جئتمونا فرادى } هو ايضا اما جزء قول الملائكة او من قول الله سواء جعل الجملة الاولى من الله او من الملائكة، والمراد بالفرادى الفرادى عن كل ما يظن انه له من العيال والاموال ومن القوى والفعليات وعن كل ما يظن انه شفيعه عند الله مما جعله شركاء الله او شركاء خلفائه { كما خلقناكم أول مرة } فرادى عن كل ذلك وهذا يدل على ما قاله العرفاء من تجدد الامثال فانه يدل على تعدد الخلق { وتركتم ما خولناكم } فى الدنيا من الاموال والعيال والقوى والفعليات { وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعآءكم } من الاصنام والكواكب وغيرها من المعبودات الباطنة وممن ادعى الخلافة من دون اذن واجازة وممن ادعى الرياسة والحكومة والفتيا من غير اجازة { الذين زعمتم أنهم فيكم شركآء } لله او لعلى (ع) { لقد تقطع بينكم } اى وصلكم على قراءة الرفع والبين من الاضداد وعلى قراءة النصب فالفاعل مضمر والبين ظرف { وضل عنكم ما كنتم تزعمون } انهم شركاء الولاية والخلافة او شركاء الله عن الصادق (ع): نزلت هذه الآية فى بنى امية وشركاؤهم ائمتهم ثم لما ذكر حال المنحرفين وظلمهم وعقوبتهم ذكر كيفية تدبيره للعالم وآيات قدرته وعلمه ليكون كالعلة للزوم كون الخلافة من الله المشار اليه بقوله وهو الذى جعل لكم النجوم (الآية) وحجة على المنحرفين عنها فقال { إن الله فالق الحب والنوى }.
[6.95]
{ إن الله فالق الحب والنوى } بالنجم والشجر او الاسلام من طينة طيبة والايمان من الاسلام والكفر من طينة خبيثة او الصدر المنشرح بالاسلام من طينة طيبة والقلب من ذلك الصدر والمنشرح بالكفر من طينة خبيثة، او طينة المؤمن مما يطرؤ عليها من السجين وطينة الكافر مما يعرضها من العليين، او العلم من العلماء والجهل من الجهلاء، او النور من المستنير والظلمة من المظلم فان الكل يسمى حبا ونوى باعتبار محبوبيته وبعده من الخير كما اشير اليه فى الاخبار { يخرج الحي من الميت } خبر بعد خبر واسقط العاطف ههنا وفى قوله فالق الاصباح واتى به فى قسيم كل وكذا فى قوله والنوى للاشارة الى ان كلا مع قسيمه كاف فى الدلالة على كمال قدرته وعلمه وحكمته وتدبيره لعباده، لان كلا من قوله يخرج الحى وفالق الاصباح كأنه كلام مستأنف غير مربوط بسابقه والمراد بالحى النامى من النبات والحيوان او ذو الحس والحركة من الحيوان بالميت غيره، او المراد به المسلم والمؤمن والعالم ومقابلوهم، والعدول عن الاسم الى الفعل المضارع للاشارة الى قلة الحى كأنه قلما يحصل اخراجه من الميت بخلاف الميت فانه بكثرته كأنه مستمر اخراجه { ومخرج الميت من الحي ذلكم } اتى باسم الاشارة البعيدة للاشارة الى عظمة من كان هذه صفته { الله } اى المستحق للآلهية لا ما تجعلونه آلها { فأنى تؤفكون } تصرفون وجملة ذلكم الله معترضة ان كان قوله { فالق الإصباح }.
[6.96]
{ فالق الإصباح } خبرا بعد خبر لان، او مستأنفة ان كان مستأنفا، او خبرا بعد خبر لذلكم { وجعل الليل سكنا } وقت راحة من سكن اليه اذا انس به واطمأن او وقت سكون عن الحركة وقرئ جاعل الليل وعلى قراءة جعل فالاختلاف بالاسم والفعل، كأنه للاشارة الى ان اقتضاء الليل السكون امر ذاتى له لا عرضى محتاج الى تجديد الجعل بتجديد الليل، بل جعله سكنا لازم لخلقته اولا بخلاف فلق الاصباح، والليل اعم من ليل اليوم وليل عالم الطبع وليل عالم الجنة وليل صروف الدهر من القحط والزلازل وكثرة القتل والنهب وكثرة الامراض وغيرها، وكل مرتبة من مراتب العالم الكبير او الصغير جهتها الدانية ليل بالنسبة الى جهتها العالية، هذا فى العالم الكبير وليل الطبع والنفس والجهل والشهوات والامراض والبلايا والاحزان فى الصغير { والشمس والقمر حسبانا } سببى حسبان للاوقات لتجاراتكم وزراعاتكم وديونكم ومواعيدكم وقد يعبر عن الولاية والنبوة وعن الولى والنبى بالشمس والقمر، والحسبان حينئذ يكون بمعنى المحاسب او ميزان الحساب فانهما شاهدان ومحاسبان على الجليل والقليل وهما اللذان يعبر عنهما الصوفية بالشيخ المرشد والشيخ الدليل فانهما فى اصطلاحهم اعم من الولى والنبى وخلفائهما والنبوة كالقمر تكسب النور من الولاية كالدليل من المرشد وقد يعبر بهما عن العقل الكلى والنفس الكلية وقد يعبر عن العقل الجزوى والنفس الجزوية او العقل الجزوى والقلب او آدم وحواء، كل ذلك فى العالم الصغير وعلى كل التقادير، فالحسبان بمعنى المحاسب او ميزان الحساب { ذلك تقدير العزيز العليم } لما كان المراد من هذه المقدمات تصوير تدبيره لمعاش الخلق بحيث لم يشذ شيء مما يحتاجون اليه فى المعاش حتى يكون برهانا قاطعا على عدم اهمالهم فيما يحتاجون اليه فى امر المعاد المشار اليه بقوله { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها }.
[6.97]
{ وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها } واحضره باسم الاشارة وصرح بأنه تقديره ليكون كالمشاهد للسامع فيصير قوله وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها { في ظلمات البر والبحر } غنيا من الحجة، والنجوم ان كانت اعم من الشمس والقمر فذكرهما هناك لشأن الحسبان وههنا لشأن الاهتداء بهما، والنجوم فى عالم الكون معلوم وفى الصغير القوى والمدارك الجزئية والواردات الغيبية والالهامات القلبية والاذكار السنية وفى الكبير الائمة (ع) وخلفاؤهم والمراد بالظلمات الظلمات الصورية والمعنوية من ظلمات النفس وشبهاتها وزلاتها وضلالاتها وقد فسرت النجوم بآل محمد (ص) { قد فصلنا الآيات } آيات علمنا وقدرتنا وتدبيرنا للاشياء على طبق حكمتنا بنصب رئيس فى كل من مراتب العالم الكبير والصغير فى الكتاب التدوينى الآفاقى والانفسى، ليدل على وجوب رئيس منا فى اشرف اجزاء العالم الكبير وهو الانسان وليس تفصيلنا للآيات لكل ذى شعور بل للانسان ولا لكل فرقة منهم بل { لقوم يعلمون } فان غيرهم لا ينجع فيه تفصيل الآيات
وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون
[يوسف:105] والعلم قد يطلق بمعنى مطلق الادراك تصورا كان او تصديقا، وقد يطلق بمعنى العرفان وهو التصور الجزئى وقد يطلق بمعنى ادراك النسبة وهما كان او شكا او ظنا او علما عاديا او تقليديا او يقينا تحقيقيا، وقد يطلق على الاعتقاد الراجح ظنا كان او علما عاديا، او تقليدا، او يقينا، وقد يطلق على ما يقابل الظن من هذه الثلاثة وهذه ليست بمرادة وهو واضح، وقد يطلق على اليقين واليقين ان كان متعلقا بالامور المعاشية من غير توجه وارتباط بالآخرة كما قال تعالى
يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون
صفحه نامشخص