تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
ژانرها
[البقرة: 31] والفرق بين الاسم والصفة اذا اعتبر فى الاسم معنى من المعانى كالفرق بين المشتق ومبدء الاشتقاق كالعلم والعالم فان الاول مأخوذ بشرط لا ولذلك لا يصدق على الذات الموصوفة به والثانى مأخوذ لا بشرط شيئ ولذلك يصدق على الذات الموصوفة به وليست الذات معتبرة فى المشتق لانه اذا فرض علم مجرد قائم بذاته يصدق عليه العالم بل نقول ذات البارى جلت عظمته علم مجرد قائم بذاته كما انه عالم. وللاسم اعتبار ان اعتبار كونه اسما ومرآة للمسمى، وبهذا الاعتبار لا يكون له نفسية ولا وجود مغاير للمسمى بل يكون وجوده وجود المسمى ورقيقة منه ونفسيته نفسية المسمى ولذلك لا يكون الحكم فى الكلام الا على المسمى ولا يكون النظر الا الى المسمى فان قولك جاء زيد لا يكون النظر فيه ولا الحكم الا على المسمى، والآخر اعتبار كونه موجودا مغايرا للمسمى منظورا اليه محكوما عليه وبهذا الاعتبار يكون هو كالمسمى امرا موجودا مستقلا محكوما عليه مغايرا للمسمى وبهذا الاعتبار يصير الاسم مسمى وله اسماء مثل قولك زيد لفظ مركب من ثلاثة احرف فان زيدا فى هذا القول له اسماء عديدة مثل الاسم واللفظ والكلمة والمركب والموضوع والدال والعلم وغير ذلك وبهذا الاعتبار لا يكون مظهرا ومرآة للمسمى ولا دالا عليه ولما كان جملة العالم برمتها اسماء لله تعالى كان هذان الاعتباران ثابتين لها والى هذين الاعتبارين اشار تعالى بقوله إن هى الا أسماء يعنى ليست هى مسميات ومنظورا اليها ومستقلات مغايرات لله سميتموها انتم يعنى انكم صرتم محجوبين عن المسمى ناظرين الى الاسماء من حيث انها مستقلات فى الوجود جاعلين لها مسميات فصرتم مشركين وكافرين لهذا النظر، و الناس فى النظر الى الاشياء مختلفون فناظر ينظر اليها من حيث انها اسماء لله غافلا عن وجودها وعن النظر اليها او شاعرا بالنظر اليها، وناظر ينظر اليها من حيث انها مسميات غافلا عن المسمى، وناظر ينظر اليها مستقلات والى المسمى والاول وهو الذى ينظر الى الاشياء من حيث انها اسماء غافلا عن النظر اليها او شاعرا بالنظر اليها هو الذى يعبد المسمى بايقاع الاسماء عليه ويكون موحدا، والذى ينظر الى الاسماء من حيث انها مسميات مستقلات غافلا عن المسمى هو الذى يعبد الاسم دون المسمى ويكون كافرا وهذا حال اكثر الناس، والذى ينظر الى الاسماء حالكونها مسميات مستقلات والى المسمى حالكونه مسمى مستقلا مغايرا مباينا عن الاسماء هو الذى يعبد الاسم والمسمى ويكون مشركا، والناظر الى الاسماء من حيث انها اسماء غافلا عن نظره اليها هو المجذوب الذى رفع القلم عنه ولا حكم له فى الكثرات ولا تكليف، والناظر اليها من حيث انها اسماء شاعرا بنظره هو الكامل الجامع للطرفين، وهذا الكامل اما يكون استشعاره بالاسماء غالبا على استشعاره بالمسمى او يكون استشعاره بالمسمى غالبا او يكون استشعاره بالطرفين على السواء والاول هو الواقع فى النشأة الموسوية والثانى هو الواقع فى النشأة العيسوية والثالث هو الذى يراعى حقوق الكثرات والوحدة بحيث لا يهمل من حقوق الطرفين شيئا وهو الواقع فى النشأة المحمدية (ص) الجامعة للكثرة والوحدة بحيث لا يشذ شيئ من حقوقهما، والى النشئات الثلاث أشار تعالى بقوله
محمد رسول الله والذين معه أشدآء على الكفار رحمآء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه
[الفتح: 29]؛ الآية، فاشار بقوله ذلك: مثلهم فى التوراة؛ الى النشأة الموسوية وبقوله { ومثلهم في الإنجيل كزرع }؛ الآية، الى النشأة العيسوية، وبالجمع بين النشأتين الى النشأة المحمدية واعتبر ذلك المذكور من حال الكافر والمشرك والمجذوب والكامل ونشئاته الثلاث بالمرآة والنظر اليها ورؤية الصور فيها فانه قد ينظر الانسان الى المرآة من حيث صفائها واستدارتها وتربيعها وتسديسها وتحديبها او تقعيرها من غير رؤية صورة فيها او من غير شعور برؤية صورة فيها، وقد ينظر اليها من حيث رؤية الصور فيها من غير شعور بالمرآة وبرؤيتها، وقد ينظر الى المرآة من حيث اشكالها وصفائها وينظر الى الصورة التى فيها وقد ينظر الى المرآة حال كونها لا حكم لها فى نظره سوى ارائة الصور شاعرا بنظره الى المرآة وبنظره الى الصور بالاقسام الثلاثة السابقة وما ورد فى جواب من قال هل الله فى الخلق ام الخلق فى الله من قوله (ع) اخبرنى عن المرآة هل انت فى المرآة ام المرآة فيك يشير الى ما ذكرنا ومقامات الكثرة فى الوحدة والوحدة فى الكثرة والجمع بين الوحدة والكثرة الدايرة فى ألسنة الصوفية اشارة الى النشئات الثلاث وللاشارة الى تلك النشئات ورد فى خبر: ما رأيت شيئا الا ورأيت الله فيه وفى آخر: الا ورأيت الله قبله وفى آخر: الا ورأيت الله بعده وما قيل ان الاسم عين المسمى او غيره قد علم جوابه مما ذكرنا فان الاسم اذا كان منظورا اليه من حيث اسميته بحيث يكون الناظر غافلا عن نظره يكون عين المسمى بمعنى انه لا وجود ولا نفسية ولا حكم ولا اثر حينئذ الا للمسمى، واذا كان الناظر حينئذ شاعرا بنظره يكون بوجه غيره وبوجه عينه، واذا كان منظورا اليه بحيث يكون فى نظر الناظر ذا نفسية ووجود وانانية كان غيره سواء نظر الناظر من الاسم الى المسمى او لم ينظر، ولما كان الانسان واقعا بين دارى الرحمن والشيطان وكان دار الشيطان لغاية بعدها من الرحمن وغلبة الاعدام عليها وكونها بتمام اجزائها مظاهر قهره تعالى كأنها لم تكن مظاهر له تعالى وكانت مقابلة لدار الرحمن وكانت النفس الانسانية من حيث تسخره للشيطان كأنها اسم للشيطان لا للرحمن ومن حيث تسخره للعقل اسم للرحمن وكان جميع افعال الانسان صادرة من نفسه اما من جهتها الشيطانية او من جهتها العقلانية امروا العباد بالتسمية عند كل فعل صغير او عظيم حتى يخرجوا بالتسمية من جهة النفس الشيطانية ويدخلوا فى جهتها الرحمانية ويكون الفعل رحمانيا لا شيطانيا، ولما كان اكثر الناس قاصرين غير بالغين الى مقام النظر الى فاعلية الله تعالى بدون وساطة الوسائط ومن بلغ الى ذلك المقام لم تكن الوسائط مرتفعة فى أفعاله بل المرتفع فى حقه النظر الى الوسائط قال تعالى باسم الله بتخلل الاسم بين الباء والله ولم يقل بالله وان كان هذا ايضا صحيحا فى نفس الامر فان الافعال تصدر عن الانسان بتوسط نفسه التى هى اسم لله فما قيل ان الاسم مقحم بين الجار ومجروره ليس بشيئ وكذا ما يترائى من كون المراد من الله لفظه وكون الاضافة بيانية يأتي التوصيف بالرحمن، ولما كان المقصود من التسمية الخروج من الجهة الشيطانية والدخول فى الجهة العقلانية كما سبق عن الرضا (ع) فى تفسيرها من قوله يعنى اسم نفسى بسمة من سمات الله فلو قال القائل بسم الله الرحمن الرحيم كان قوله بسم الله مثل ان قال التجأت من دار الشيطان وتصرفه الى دار الرحمن وتصرفه ودخلت فى داره واتصفت بصفاته فكان يفيد فائدة الاستعاذة مع شيئ زائد ولذلك ورد عن الباقر (ع) اول كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم فاذا قرأتها فلا تبال ان لا تستعيذ واذا قرأتها سترتك فيما بين السماء والارض، ولما كان التسمية من القائل اتصافا بسمة من سمات الله وهى بمنزلة السلاح للشيطان والشيطان يفر منها امروا بالجهر ببسم الله بخلاف الاستعاذة والله علم للذات بعنوان مقام ظهوره الذى هو فعله ومشيئة فان الذات غيب مطلق لا اسم له ولا رسم له وان الاسماء والصفات ليست له الا باعتبار ظهوره بفعله ومشيئة ومشيئة لها اعتباران؛ اعتبار وجهها الى مقام الغيب واعبار وجهها الى الخلق، وتسمى باعتبار وجهها الى الغيب عرشا، وباعتبار وجهها الى الخلق كرسيا، وبهذين العنوانين يسمى الحق الاول بالله وبالعلى وباعتبار هذين العنوانين قال تعالى
الرحمن على العرش استوى
[طه: 5] و
وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم
[البقرة: 255] وهل هو مشتق او جامد بمعنى انه من الاوصاف المشتقة من المصادر او ليس اسما مشتقا بل هو مصدر او اسم مصدر او اسم ليس له مادة متصرفة، اقوال؛ فقيل انه من مادة اله الهة والوهة مثل نصر بمعنى عبد واصله اله بكسر الهمزة حذف الهمزة وعوض عنها لام التعريف ولذلك او لمطلوبية التطويل والتفخيم فى نداء المحبوب لم يحذف الفه فى النداء، او من اله كفرح بمعنى تحير او اشتد جزعه عليه او فزع اليه ولاذ به او بمعنى اجاره، وقيل من مادة وله من باب حسب وعلم وضرب بمعنى حزن وتحير وخاف وجزع او من مادة لاه الله الخلق يلوه بمعنى خلقهم او من لاه يليه بمعنى تستر او علا، وقيل: اصله لاها بالسريانية فعرب بحذف الالف الاخيرة ودخل لام التعريف عليه وقيل كان اصله هو لانه موضوع لغائب معهود معروف والغائب عن الابصار مطلقا والمعهود المعروف للقلوب على الاطلاق هو الله ثم ادخل عليه لام الاختصاص للاشعار باختصاص كل ما سواه به، ثم اشبع فتحة اللام تفخيما ثم ادخل لام التعريف عليه لتفخيم آخر فصار الله.
و { الرحمن الرحيم } صفتان لله او للاسم فان اسماء الله العينية كما انها مظاهر لله مظاهر لجميع صفاته تعالى وجعلهما صفتين للاسم اولى من جعلهما صفتين لله للزوم التأكيد على الثانى مع ما بعده دون الاول ولان المنظور الاتسام باسم يكون به قوام الفعل المبتدأ به وينتهى الفعل اليه وهذا معنى كون الاسم متصفا بصفة الرحمانية والرحيمية وهما مأخوذتان من رحم بكسر العين للمبالغة او من رحم بضم العين صفتين مشبهتين وعلى اى تقدير فالرحمن ابلغ من الرحيم لزيادة مبناه ولعدم اختصاص الرحمة الرحمانية بشيئ دون شيئ وبحال دون حال وبجهة دون جهة بخلاف الرحمة الرحيمية فانها مختصة بالانسان ومن كان مثله سالكا الى الرحمن وبحال كونه على رضاه ومن جهة كونه على رضاه واما غير الانسان فان العناصر والمواليد لا توصف بالرحمة الرحيمية ولا بالغضب الذى هو ضدها والارواح العالية وجودهم كما هو رحمة رحمانية رحمة رحيمية ولا تمايز بين الرحمتين فيهم كما لا يتصور جهة غضب فيهم والارواح الخبيثة قد يجوز ان يتصفوا بالرحمة الرحيمية لكن الاغلب انهم متصفون بالغضب وذلك ان الرحمة الرحمانية عبارة عن افاضة الوجود على الاشياء وابقائها واكمالها بالكمالات اللائقة بفطرتها وهذا عام لجميع الاشياء دنيوية كانت او اخروية اناسى كانت او غير اناسى ولذلك قال { الرحمن على العرش استوى } وفسروه باستواء نسبته الى الجليل والحقير وورد:
" يا رحمن الدنيا والآخرة "
، وورد عن الصادق (ع) ان الرحمن اسم خاص لصفة عامة وورد عن امير المؤمنين (ع) ان الرحمن الذى يرحم ببسط الرزق علينا او العاطف على خلقه بالرزق لا يقطع عنهم مواد رزقه وان انقطعوا عن طاعته، ومن المعلوم ان رزق الاعيان الثابتة افاضة الوجود عليها ورزق الموجود افاضة ما به بقاء وجوده والرحمة الرحيمية عبارة عن افاضة الكمالات الاختيارية المرضية على المختارين من الانس والجن ولذلك ورد ان الرحيم اسم عام لصفة خاصة وورد عنهم (ع) الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله وفى رواية ملك الله والله اله كل شيئ، الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصة وما ورد انه الرحيم بعباده المؤمنين فى تخفيفه عليهم طاعاته وبعباده الكافرين فى الرفق فى دعائهم الى موافقته فتعلق الرحمة الرحيمية بالكافرين انما هو من جهة بقاء فطرتهم واقتضائها فعلية مرضية اختيارية من الفعليات المرضية تقتضى تلك الفعلية الرفق بهم ودعائهم الى الدين والمداراة معهم فى الدنيا والنصيحة لهم فى امر العقبى وفى آخر الخبر المروى عن امير المؤمنين (ع) الرحيم بنا فى ادياننا ودنيانا وآخرتنا خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتمييزنا من اعدائه فالرحمة الرحيمية بمعنى الرضا مقابل الغضب كالصورة للرحمة الرحمانية وهى مادة للرضا والغضب فان الرحمة الرحمانية وهى افاضة الوجود وكمالات الموجود قد تصير فى بعض الموجودين وهم المختارون العاصون غضبا وفى بعضهم وهم المختارون المطيعون رضا، والرحمة السابقة على الغضب هى الرحمة الرحمانية دون الرحمة الرحيمية او هى الرحمة الرحيمية والمراد بسبقها تعلقها بالمكلفين بحسب اقتضاء فطرتهم ذلك كما سبق وقد علم مما ذكر وجه تخلل الاسم بين الجار والله، ووجه تقديم الله على الرحمن، وتقديم الرحمن على الرحيم، واشار بالله الى جامعيته تعالى وبالرحمن الى مبدئيته وبالرحيم الى مرجعيته وقد جمع جميع اضافاته فيهما ولما كان الحروف اللفظيه بازاء مراتب الوجود العينية كان كل منها اشارة الى مرتبة منه فالالف لبساطتها اشارة الى مرتبة الوجوب والباء لكونها اقرب الى الالف فى البساطة اشارة الى فعله الذى لا فرق بينه وبينه، والنقطة تحت الباء اشارة الى تعين الفعل بالامكان ولذلك ورد: بالباء ظهر الوجود اشارة الى مقام المشيئة، وبالنقطة تحت الباء تميز العابد عن المعبود: اشارة الى تعينها بالامكان الاول العقلانى وقيل ظهرت الموجودات من باء بسم الله، وبلحاظ ان الحروف بازاء مراتب الوجود ولحاظ ان جميع الكتب السماوية لتصحيح النسب الحقية والنسب الخلقية وجميع النسب الحقية والخلقية مجتمعة بحسب الامهات فى فاتحة الكتاب وجميع ما فى الفاتحة مجتمعة فى بسم الله الرحمن الرحيم وجميع ما فى تمام بسم الله الرحمن الرحيم مجتمعة فى باء بسم الله صح ان يقال جميع ما فى القرآن فى سورة فاتحة الكتاب، وجميع ما فى سورة فاتحة الكتاب فى بسم الله الرحمن الرحيم، وجميع ما فى بسم الله فى باء بسم الله، وعلى (ع) باعتبار تعينه الاول هو النقطة تحت الباء وصح ان يقال، لو شاء العالم لاوقر سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب او من تفسير بسم الله الرحمن الرحيم او من تفسير باء بسم الله كما نسب اكثر هذه المضامين الى مولانا امير المؤمنين عليه السلام.
صفحه نامشخص