تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
ژانرها
{ ويقيمون الصلاة } اعلم ان الانسان كما مر ذو مراتب كثيرة وادنى مراتبه مرتبة القالب الجسمانى وبعدها مرتبة نفسه التى يعبر عنها بالصدر وبالقلب ايضا وبعدها مرتبة قلبه التى هى بين النفس والروح، وبعدها مراتب الاخر، وفى كل مرتبة له صلاة وصلاته القالبية فى الشريعة المحمدية (ص) الافعال والاذكار والهيئات المخصوصة المعلومة لكل من دخل فى هذا الدين بالضرورة وصلاة قلبه الذى هو صدره الذكر المخصوص المأخوذ من صاحب الاجازة، والفكر المخصوص المأخوذ من قوة الذكر او من تعمل المفكرة، والمراد بالفكر ما هو مصطلح الصوفية زمن التوجه الى الامام كما ورد وقت تكبيرة الاحرام تذكر رسول الله (ص) واجعل واحدا من الائمة نصب عينيك وصلاة القلب الذى هو بين النفس والروح مشاهدة معانى اذكار الصلاة ومشاهدة الاحوال والشؤن المشار اليها بأطوار الصلاة وصلاة الروح معاينة هذه وهكذا، ومعنى اقامة الصلاة جعل صلاة القالب متصلة بصلاة الصدر وصلاة الصدر متصلة بصلاة القلب، وهكذا سواء كان الاقامة بمعنى الاقامة عن اعوجاج او عن قعود، او بمعنى اقامة حدود الصلاة فان اعظم حدودهما حدودها الطولية فانها بالنسبة الى الحدود العرضية كالروح بالنسبة الى القالب فصلاة القالب كقالب الانسان والصلاة الذكرية القلبية الجسمانية كالروح البخار من الانسان الذى هو مركب القوى والمدارك الحيوانية، والصلوة الفكرية الصدرية كالبدن المثالى من الانسان، والصلاة القلبية الروحانية كروح الانسان، فكما ان الانسان بدون المراتب الباطنة ميتة عفنة تؤذى قرينها كذلك الصلاة القالبية بدون مراتبها الباطنة جيفة عفنة مؤذية؛ وقد ورد
" رب مصل والصلاة تلعنه ".
تحقيق استمرار الصلاة والزكاة للانسان تكوينا
واعلم ايضا ان الانسان خلق ذا قوة وفعلية من اول خلقة مادته الى مرتبته الاخيرة التى هى بالفعل من كل جهة وليس فيها قوة فالنطفة لها فعلية النطفة وقوة العلقة قريبة وقوة المضغة والجنين والطفل الانسانى وهكذا بعيدة، وما لم ينقص من فعلية النطفة شيئ لم يحصل من فعلية العلقة شيئ ويحصل بالاتصال والاستمرار فعلية العلقة بقدر نقصان فعلية النطفة الى ان صار العلقة بالفعل من جهة كونها علقة ثم يصير فعلية العلقة فى النقصان وفعلية المضغة فى الحصول والازدياد وهكذا جميع المراتب فان فعلية كل مرتبة موقوفة على نقصان سابقتها او فنائها، وهذا النقصان والفناء زكاة الانسان تكوينا، وذلك الحصول والازدياد صلاته تكوينا لان الزكاة اعطاء فضول المال وتطهير باقيه، وهذا ايضا كذلك والصلاة جلب الرحمة وطلبها والازدياد المذكور جلب للرحمة التى هى كمالات الانسان واستجماع لها، ولما كان التكليف موافقا للتكوين وحسن الاعمال الاختيارية بكونها مطابقة للافعال التكوينية لم يبعث نبى قط الا بتشريع الصلاة والزكاة وجعلهما اصلا وعمادا لتمام الاعمال الشرعية الفرعية لكن وضعهما وصورتهما فى الشرائع مختلفة غير متوافقة، وتقديم الصلاة فى هذه الآية وفى سائر الآيات على الزكاة اما لتقدمها طبعا لان اسقاط ما فى اليد موقوف على وجدان غيره او طلب الافضل منه والصلوة كما علمت وجدان او طلب للكمال المفقود بعد الاتصاف بكمال موجود، فما لم يطلب الانسان كمالا آخر لا يترك كمالا حاصلا وقيل بالفارسية:
تا نبيند كود كى كه سيب هست
او بياز كنده را ندهد زدست
او لان الصلاة اشرف والاهتمام بها اتم لانها طلب ووجدان، والزكاة ترك وفقدان.
{ ومما رزقناهم ينفقون } انفق من باب الافعال من نفق ماله اى نفد لكن خصص بانفاق المال فيما ينتفع به وتقديم الظرف للاهتمام ومراعاة رؤس الاى وللحصر كأنه اراد ان يشير الى ان الاموال قد تحصل بامرنا ومن الوجه الذى قررناه لتحصيلها، وقد تحصل بأمر الشيطان ومن الوجه الذى نهينا عنه، وقد تحصل بشركة الشيطان، وكذا العلوم والقوى والشؤن والنيات والخيالات المتولدة فى عالم الانسان وان المؤمن لا يوجد فى ملكه الا ما رزقناه لانه لو أراد الشيطان ان يداخله فى تحصيل ما له تذكر فاذا هو يبصر ويتقى فلا ينفق الا ما رزقناه، ولهذا الوجه عدل عن قوله يؤتون الزكاة وكأنك تفطنت مما اسلفنا بتعميم ما رزقهم الله وتعميم الانفاق فان الانفاق الاختيارى للانسان من اول بلوغه بل من اول زمان تمرينه الى آخر مقام الاطلاق والخروج من التعينات، وروى عن الصادق (ع) ان معناه ومما علمناهم يبثون، وهذا بيان لاحد وجوه المرزوق والانفاق بحسب اقتضاء المقام، وادخال من التبعيضية للاشعار الى التوسط فى الانفاق وانه لا ينبغى انفاق الجميع كما لا ينبغى التقتير وعدم الانفاق.
{ والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك } ان كانت الباء للسببية صح ارادة كل من المعانى الشرعية واللغوية من الايمان وان كانت صلة للايمان فمعناه التصديق او الاذعان والمراد بما انزل اليه جملة ما نزل اليه من القرآن والاحكام، او خصوص ما نزل فى ولاية على (ع) من القرآن، او خصوص ما نزل من حقيقة الولاية على قلبه؛ هذا اذا كان ما موصولة او موصوفة، واذا كانت مصدرية فالمعنى الايمان بنفس الوحى وانزال الكتاب من دون اعتبار المنزل.
{ ومآ أنزل من قبلك } من الشرايع والكتب او من التنصيص على ولاية الاوصياء او من الولايات النازلة على الانبياء من علوية على (ع) هذا ان كان ما انزل من قبلك معطوفا على ما انزل اليك، وان كان جملة حالية ولفظة ما نافية او استفهامية فالمعنى وما أنزل، ما أنزل اليك من الشرايع والقرآن او الولاية من قبلك، او اى شيئ أنزل من قبلك على معنى الانكار اى ليس ما أنزل اليهم بشيئ فى جنب ما أنزل اليك.
صفحه نامشخص