تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

سلطان علی شاه گنابادی d. 1350 AH
130

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

ژانرها

بيان الحكمة ومراتبها

{ يؤتي الحكمة } جواب لسؤال مقدر كأن الرسول (ص) بعد ما أيقن وشاهد المفاسد المترتبة على طاعة الشيطان والمصالح اللازمة لطاعة الله قال: ما للناس لا يتأملون ولا ينظرون الى تلك المفاسد والمصالح؟! ولا يرتدعون عن تلك ولا يرغبون فى هذه؟ - فقال: لان النظر فى دقائق هذه والعمل بمقتضاها من شعبتى الحكمة النظرية والعملية ولا يؤتى الله الحكمة لكل احد بل يؤتيها { من يشآء } ويجوز ان تكون الجملة حالية او خبرا بعد خبر مفيدة لهذا المعنى، والحكمة كما مر عبارة عن ادراك دقائق المصنوع الالهى وغاياته المترتبة عليه؛ وهى الحكمة النظرية، وعن القدرة على صنع مصنوع مشتمل على دقائق الصنع والغايات المترتبة الى غاية هى اشرف الغايات بالنسبة الى مقام الصانع؛ وهى الحكمة العملية، وتطلق الحكمة على كل واحد منهما وعلى المجموع، ولما كان ادراك الدقائق المودعة فى المصنوعات واعمال الدقائق المتصورة لها خاصين بالله فالحكيم على الاطلاق هو الله تعالى وسائر الناس حكماء بقدر ادراكهم وقدرتهم على الصنع، وتلك الحكمة اى ادراك دقائق المصنوع الالهى والغايات المترتبة عليه والقدرة على صنع مصنوع مشتمل على غايات منتهية الى غاية هى اشرف الغايات لا يمكن حصولها الا بعد فتح باب القلب بالولاية لانه ما لم يفتح باب القلب لم يفتح عين القلب، وما لم يفتح عين القلب لم يمكن الادراك الا بعين الخيال، والخيال مخطئ فى ادراكه وغير متجاوز عن الغايات الدنيوية، واذا فتح باب القلب بالولاية يدرك الانسان اولا دقائق الصنع المودعة فى نفسه وعالمه الصغير، ويدرك حيل الشيطان فى اغوائه، ولطائف الملك فى تصرفه، ويقدر على دفع حيل الشيطان وتقوية تصرف الملك، فاذا استقام فى ذلك وخلص من تصرف الشيطان تمكن من ادراك دقائق الصنع فى العالم الكبير والغايات المترتبة على مصنوعاته تعالى، ويقدر على التصرف فيها بقدر قوته قليلا او كثيرا، وادراك الدقائق فى عالمه الصغير والقدرة فيه عبارة عن النبوة وخلافتها، وذلك الادراك والقدرة فى العالم الكبير عبارة عن الرسالة وخلافتها واساس ذلك هى الولاية كما عرفت فيجوز تفسير الحكمة بكل من الولاية والنبوة والرسالة وبمعرفة الامام وطاعته وبمعرفة الامام واجتناب الكبائر وبالكتاب وبالثبات عند اوائل الامور والوقوف عند عواقبها وبهداية الخلق الى الله وبمعرفة الامام والفقه فى الدين، والحكمة سبب عمارة البيوت فما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة الا كان خرابا، وقد فسرت بالتشبه بالاله علما وعملا وهى غاية خلق الانسان بل غاية عالم الامكان ولذلك قال تعالى: { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر } بالحكمة او باستلزامها للخير الكثير { إلا أولوا الألباب } اعلم ان الانسان بتمام عباداته وعظيم طاعاته ما لم ينعقد قلبه بالولاية كان كشجرة اللوز والفستق التى كانت كثيرة اللوز والفستق اللذين لم يكن لهما لب وينبغى ان يوقد فى النار ولا يبصر شيئا من دقائق المصنوع ولا من دقائق حيل الشيطان فلا يقدر على دفع شيء من حيله، واذا انعقد قلبه بالولاية صار اثمار أعماله ذوات ألباب وأبصر من الدقائق والحيل بقدره فما لم ينعقد قلبه بالولاية لا يتذكر ذلك واذا انعقد تذكر.

[2.270]

{ ومآ أنفقتم من نفقة } مما يطلق عليه اسم النفقة قليلا كان ام كثيرا فى حق ام باطل صحيحا او فاسدا مبطلا او مبقى سرا او علانية { أو نذرتم من نذر } كذلك تجزوا به { فإن الله يعلمه } ويقدر على المجازاة ولا مانع من مجازاته { وما للظالمين } اى مانعى الحقوق من اهاليها ومعطيها لغير اهاليها فى الانفاق والنذر او فى مطلق الموارد ومنها الانفاق والنذر { من أنصار } يدفعون عقوبة الله عنهم.

[2.271]

{ إن تبدوا الصدقات } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: ابداء الانفاق خير او اسراره؟ - فقال: ان تبدوها { فنعما هي } اى فنعم شيئا او نعم الشيء الصدقات المبدءات وجعل المخصوص هاهنا الصدقات للاشعار بأن مدح الابداء انما هو لمدح الصدقات بخلاف اخفائها فانه ممدوح فى نفسه وممدوح لمدح الصدقات ايضا { وإن تخفوها وتؤتوها الفقرآء فهو } اى الاخفاء { خير لكم } كما ان نفس الصدقة خير لكم، وجعل المخصوص بالمدح فى الفقرة الاولى ابداء الصدقات كما قدروا يذهب باللطف المندرج فى العبارة. فى الخبر: ان كلما فرض الله عليك فاعلانه أفضل من اسراره، وما كان تطوعا فاسراره أفضل من اعلانه، ولو ان رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا، وفى خبر، انهم يعنى اصحاب الرسول (ص) كانوا يستحبون اظهار الفرائض وكتمان النوافل، والوجه فى ذلك ان الفرائض بعيدة عن المراءاة فيها والعجب والانانية بخلاف النوافل، لكن نقول: هذا كسائر الاحكام يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال فرب صدقة نفل يكون اعلانها افضل بمراتب من اعلان الزكاة الفرض، ورب زكاة فرض يكون اسرارها افضل من اسرار النفل { ويكفر } اى الله والاخفاء قرئ بالرفع عطفا على مجموع جملة الشرط والجزاء، او على الجزاء ولم يجزم لكون المعطوف عليه جملة اسمية غير ظاهر فيها الجزم، او لتقدير مبتدء حتى يصير المعطوف على الجزاء جملة اسمية، وقرئ بالنون وبالتاء المثناة من فوق على ان يكون الفعل للصدقات مرفوعا ومجزوما { عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير } ترغيب فى الاسرار بعد التنبيه على انه افضل بجعله محكوما عليه بالخير دون الابداء.

[2.272]

{ ليس عليك هداهم } كان النبى (ص) بعد ما اظهر الله تعالى ابطال الصدقة بالمن والاذى وابطالها بالرياء وان لا ناصر لمن ظلم فى الانفاق والنذر تحرج (ص) من عدم اهتداء امته وقومه الى وجوه الخير فى الانفاق والى ما فى البخل وابطال الانفاق من الوبال والحرمان حتى لم يهتدوا بسببه الى الاسلام والايمان وقال: فما أصنع حتى يهتدوا الى ذلك؟ - فقال تعالى: { ليس عليك هداهم } حتى تتحرج من عدم هداهم { ولكن الله يهدي من يشآء وما تنفقوا من خير } { ف } هو نافع { لأنفسكم } فما بالكم تمنون به على غيركم او تؤذون به من تنفقون عليه او غيره { وما تنفقون } اى لا ينبغى لكم ان تنفقوا { إلا ابتغآء وجه الله } لكنه اداه بصورة الاخبار عن الانفاق لوجه الله تهييجا لهم على ذلك { وما تنفقوا من خير } اى من مال حلال مكتسب من جهة حليته التى هى الولاية فانها جهة حلية المحللات كما سبق وكما يأتى عند قوله تعالى:

اليوم أكملت لكم دينكم

[المائدة:3] فان خيرية المال ان يكون مكتسبا من الحلال، وخيرية النفقة ان تكون خالصة لوجه الله كما اشير اليه بقوله تعالى: { وما تنفقون إلا ابتغآء وجه الله } يعنى نفقة غير مشوبة بالمن والاذى والرياء وغير مدنسة بالاغراض النفسانية وان تكون سرا كما اطلق الخير فى السابق عليه { يوف إليكم } التوفية تكون باداء تمام ما ينبغى ان يؤدى { وأنتم لا تظلمون } بنقص فيما يؤدى اليكم جزاء انفاقكم.

صفحه نامشخص