Tafsir Al-Uthaymeen: Ash-Shura
تفسير العثيمين: الشورى
ناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٣٧ هـ
محل انتشار
المملكة العربية السعودية
ژانرها
وعلى هذا فإننا نَجْزِمُ بأنَّ هذه الحروفَ ذاتَها ليس لها معنًى، لكن إذن يَرِدُ علينا إشكالٌ، إذا قلنا: ليس لها معنًى صار إنزالُها وكلامُ الرَّبِّ بها ﷿ عبثًا، واللهُ ﵎ لا يَفْعَلُ شيئًا عبثًا، فنقولُ: ليس بعبثٍ، هي ذاتُها ليس لها معنًى، لكن لها مغزًى يقترنُ بالتحدي، وهو أن يُقالَ: إنكم أيها العربُ تركِّبون كلامَكم من هذه الحروفِ والقرآنُ لم يأتِ بحرفٍ لم تتكلموا به، بل كُلُّهُ من الحروفِ التي تتكلمون بها، وهذا مثالٌ: (ح) (م) (ع) (س) (ق)، ومع هذا عَجَزْتُمْ أن تأتوا بمثْلِهِ، فيكون بهذا مغزًى عظيمٌ، وهو أنَّ القرآنَ الذي أَعْجَزَكُم أيها العربُ مع أنكم أئمَّةُ الفصاحةِ، هل أتى بحروف جديدة، تقولون: واللهِ لا نعرف هذه الحروف، أو هو من الحروفِ التي أنتم تنطقون بها؟ فالجوابُ: الثاني ومع ذلك أَعْجَزَكُم.
ويدُلُّ لهذا المغزى الذي أقرَّهُ شيخُ الإسلامِ (^١) ﵀ ومن سَبَقَه ومن لَحِقَه، يدُلُّ على هذا: أنك لا تكادُ تجدُ سورةً مبدوءةً بهذه الحروفِ إلا وبعدها ذِكْرُ القرآنِ الكريمِ، أو ذِكْرُ ما لا يُمْكِنُ إلا بوحيٍ، ننظرُ الآنَ: ﴿الم﴾ [البقرة: ١]، في أوَّلِ البقرةِ بَعْدَهَا: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، وفي آلِ عمر ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمرانَ: ١ - ٣]، و﴿المص﴾ [الأعراف: ١] ﴿كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ﴾ وهلمَّ جرًّا، ليس هناك إلا سورتان أو ثلاثٌ، لكنَّ حقيقةَ الأمرِ أنَّ الذي يلي هذه الحروفَ لا يتأتَّى العلمُ به إلا عن طريقِ الوحيِ.
فقولُهُ: ﴿حم (١) عسق﴾ نقولُ في تفسيرِها: هذه حروفٌ هجائيَّةُ ليس لها معنًى، لكن لها مغزًى.
قال المُفسِّر ﵀: [﴿كَذَلِكَ﴾ أي: مثلَ ذلك الإيحاءِ ﴿يُوحِي إِلَيْكَ﴾ وأوحى
_________
(^١) انظر تفسير ابن كثير (١/ ٧١).
1 / 14