Tafsir Al-Uthaymeen: As-Sajdah
تفسير العثيمين: السجدة
ناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٣٦ هـ
محل انتشار
المملكة العربية السعودية
ژانرها
قوله ﷾: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ يكثُرُ في القرآنِ الكريمِ مثلُ هذا التَّعبيرِ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢]، ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ٦٩] فهل هو للرَّجاءِ أم للتوقُّعِ؟
الجوابُ: قال بعضُهُم: إنَّها للرَّجاء، ولكن باعتبارِ حالِ المخاطَبِ لا باعتبارِ حالِ المتكلِّم؛ لأن الرَّجاءَ هو الطَّمَعُ في نَيْلِ ما يَعْسُر إدراكُه، قد لا يتعذَّرُ، لكنه يؤمَّلُ إلا أنه فيه نوعُ شِدَّةٍ، والرَّبُّ ﷿ لا يُمْكِنُ وَصْفُه بهذا الوَصْفِ، فيكون مُتَرَجِّيًا باعتبارِ حالِ المخاطَبِ.
وجملة (لعلَّ) للتَّعليل، وكونُ الله ﷾ يجعل الشَّيءَ علَّةً للشَّيء؛ ليس فيه نَقْصٌ، بل هو من كماله ﷾ أن يبني من الأسبابَ أسبابًا.
يَرِدُ على هذا القَوْل: أن العلَّة ملازِمَةٌ للمعلولِ، فإذا قال: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ لَزِمَ أن يهتدوا فما دَامَتْ علَّة، فالعِلَّةُ ملازِمَةٌ للمَعْلول: فلما جاءهم هذا النَّذيرُ يلزم اتِّباعُه.
والجوابُ على ذلك أن يُقالَ: إنَّ العلَّةَ علَّتانِ: عِلَّةٌ باعِثَةٌ، وعلَّةٌ غائِيَّةٌ، والعلَّةُ الباعِثَة مُوجِبة وغيرُ مُوجِبَة، وهذه كقوله ﷾: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] مع أنَّهم ما يعبدون الله كلُّهُم، وكقوله ﷾: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٦٤]. ومعلومٌ أنَّ كثيرًا من الرُّسُل ما أُطيعوا، فيكون هنا العِلَّة الباعِثَة غيرَ الموجِبَة؛ يعني أنَّ الحكمةَ من هذا هو هذا، ثم قد تَحْصُل وقد لا تَحْصُل، ومثَّلوا لذلك بقولهم: شَرَيْتُ القَلَمَ لأكتبَ به، أو لهذه الغايَةِ، ولكن: هل يلزَمُ أن تَكْتُبَ؟
الجوابُ: قد تكتب، وقد لا تَكْتُب.
1 / 17