Tafsir Al-Uthaymeen: Al-Ankabut

Muhammad ibn al-Uthaymeen d. 1421 AH
64

Tafsir Al-Uthaymeen: Al-Ankabut

تفسير العثيمين: العنكبوت

ناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٣٦ هـ

محل انتشار

المملكة العربية السعودية

ژانرها

واعلم أن العبادةَ تنْقسمُ إلى قسمين: أوَّلًا: الخضوعُ للأمرِ الكَونِيِّ؛ وهذه عامَّةٌ لكل أحَدٍ، كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٩٣]، كُلُّ مَن في السَّمواتِ والأرضِ من مؤمنٍ وكافِرٍ وبارٍّ وفاجِرٍ، كلهم يأتُونَ اللَّه تعالى بهذا الوصفِ. وهل من هذا قوله تعالى يخاطِبُ إبليس: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحجر: ٤٢]؟ الجواب: إن قلنا الاستِئْنَاءُ متَّصَلٌ فهو منهم، أي: إبليس، وإن قُلنا: منْقَطِعٌ فليس منهم، أي: إن جعلنا الاستِثْنَاءَ متَّصِلًا فإن المرادَ العبوديةُ العامَّة، التي لا يُستَثْنَى منها أحدٌ، فكلُّ الخلْقِ خاضِعونَ لأمرِ اللَّهِ الكَونِيِّ، ولا أحدَ يقْدرُ أن يدفْعَ المرضَ أو الموتَ عن نفسه، ومنه قوله ﷾: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٩٣]، وإن جعلناه منْقَطِعًا فالمرادُ هو النَّوعُ الثاني مِنَ العُبودِيَّةِ. النوع الثاني: العُبودِيَّةُ الخاصَّةُ، وهي التَّذَلُّلُ لأمرِ اللَّه الشرعيِّ، ومنها قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣]. فهؤلاءِ تَذَلَّلُوا للأمرِ الشَّرْعِيِّ، وهنا في الآية الكريمةِ قال إبراهيمُ ﵇: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾، فهو يريدُ التَّعَبُّدَ للَّه بالعبادةِ الشَّرعيةِ. قوله: ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ عَطْفًا على قولِهِ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾، والعَطفُ كما قِيلَ: يقْتَضِي المغَايَرةَ، ونحنُ ذكرنَا أن العِبادَةَ هي التَّذَلُّلُ للَّهِ ﷾ بالطاعةِ. و(التقوى): اتِّخَاذُ وقايَةِ مِنْ عذابِهِ بطاعتِهِ، وعلى هذين التَّفْسِيرينِ يكون عطفُ التَّقْوى على العبادةِ من بابِ عطفِ الشَّيءِ على نَفْسِهِ، والمعروفُ أن بلاغَةَ القرآنِ

1 / 68