Tafsir Al-Uthaymeen: Al-Ahzab
تفسير العثيمين: الأحزاب
ناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٣٦ هـ
محل انتشار
المملكة العربية السعودية
ژانرها
فلو قال قائِل: هذه الآيةُ تَنفِي العمَل بالسبَب؟ .
فالجَوابُ على ذلك أن نَقول: إذا كان العمَل بالسبَب مُبطِلًا لحُكْم شَرْعه، فإنه لا يَجوز كهذه الحالِ، فإبطال الأَسْباب القدَرية بانتِهاك الأحكام الشَّرْعية هذا لا يَجوز، يَعنِي: أن يَترُك الإنسان الحُكْم الشَّرْعيَّ الواجِب خوفًا من آثاره هذا ليس بجائِز، لكن سببٌ حقيقيٌّ مَأذونٌ فيه شرعًا يُفعَل أم لا؟
الجَوابُ: إذا كان سبَبًا حقيقيًّا مَأذونًا فيه شَرْعًا فلْتَفعَلْه، فما نَقول للرجُل: إذا رأيت النار مُقبِلةً عليك فقِفْ لا تَفِرَّ، لا يَنفَعُك الفِرار! ! هذا ليس بصحيح، بل نَقول في هذه الحالِ: فِرَّ؛ لأن هذا سببٌ مُبَاح مَأذون فيه شَرْعًا وسبَب حقيقيٌّ، لكن بأن نَجعَل الأسباب مُعطِّلة للأحكام الشرعية هذا لا يَجوز.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: بيان نُفُوذ حُكْم اللَّه ﷿ الشَّرْعيِّ والقدَريِّ، أمَّا القدَريُّ فلا إرادةَ لك فيه، وأمَّا الشَّرْعيُّ فلك فيه إرادة؛ ولهذا نَقول: بالنسبة للشَّرْعيِّ وجوبُ تَنْفيذ حُكْم اللَّه الشَّرْعي؛ لأن اللَّه تعالى عاب هؤلاء الفارِّين؛ لكون فِرارِهم يَتَضمَّن إِسْقاطَ حُكْمٍ شَرْعيٍّ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن البَقاء في الدنيا وإن طال فهو قليل؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، وقد قال اللَّه تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٧٧].
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: تَوْبيخ هَؤُلاء الذين فرُّوا للتقاء على حياتهم؛ أو للإِبْقاء على حياتهم يُؤْخَذ من أَمْر اللَّه تعالى نَبِيَّه ﷺ أن يَقول لهم: ﴿قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ﴾، وهذا لا شكَّ أنه على سبيل التَّوْبيخ لهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذًا﴾ يَعنِي: لو فرَرْتم ونجَوْتم من هذه الحادِثةِ لا تَنجُون من الموت،
1 / 134