Tafsir al-Tabari - Jami' al-Bayan
تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث
شماره نسخه
بدون تاريخ نشر
ژانرها
أنّ مما أنزل الله من القرآن على نبيه ﷺ، ما لا يُوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول ﷺ. وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه ونَدْبِه وإرْشاده-، وصنوفِ نَهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعضَ خَلْقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آية، التي لم يُدرَك علمُها إلا ببيان رسول الله ﷺ لأمَّته. وهذا وجهٌ لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله ﷺ له تأويلَه (١) بنصٍّ منه عليه، أو بدلالة قد نصَبها، دالَّةٍ أمَّتَه على تأويله.
وأنّ منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار. وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقاتٌ لا يعلم أحدٌ حدودَها، ولا يعرف أحدٌ من تأويلها إلا الخبرَ بأشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه. وبذلك أنزل ربُّنا محكم كتابه (٢) فقال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الأعراف: ١٨٧] . وكان نبينا محمد ﷺ إذا ذكر شيئًا من ذلك، لم يدلّ عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي روى عنه ﷺ أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجّال: إنْْ يخرجْ وأنا فيكُم، فأنا حَجِيجُه، وإن يخرجْ بعدي، فالله خليفتي عليكم" (٣) وما أشبه
(١) في المطبوعة: "له بتأويله". (٢) في المطبوعة: "وكذلك أنزل ربنا في محكم كتابه"، وهو تغيير وزيادة لغير فائدة. (٣) قال ابن حجر في الفتح ١٣: ٨٤ في شرح حديث ابن عمر الذي أخرجه البخاري، وذكر الدجال فقال: "وما من نبي إلا أنذره قومه"، قال: "في بعض طرقه: إن يخرج فيكم فأنا حجيجه". وهو إشارة إلى حديث النواس بن سمعان، مطولا، في صحيح مسلم ٢: ٣٧٦، وفيه: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم". وانظر أيضًا مجمع الزوائد ٧: ٣٤٧-٣٤٨، ٣٥٠-٣٥١. وقوله "حجيجه" أي محاجه ومغالبه بإظهار الحجة عليه.
1 / 74