253

[التوبة: 28]. وهكذا نرى أن هذه القضية لم تخف على الله فلا يقولن أحد إن العمل الباطل الحرام هو مصدر رزقي، ولن أستطيع العيش لو تركته سواء كان تلحينا أو عزفا أو تأليفا للأغاني الخليعة، أو الرقص، أو نحت تماثيل. نقول له: لا، لا تجعل هذا مصدرا لرزقك والله يقول لك:

وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله

[التوبة: 28]. وأنت عندما تتقي الله، فهو سبحانه يجعل لك مخرجا.

ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب

[الطلاق: 2-3]، وعليك أن تترك كل عمل فيه معصية لله وانظر إلى يد الله الممدودة لك بخيره. إذن، فقول الله: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [البقرة: 188] تنبيه للناس ألا يدخلوا في بطونهم وبطون من يعولون إلا مالا من حق، ومالا بحركة شريفة نظيفة، وليكن سند المؤمن دائما قول الحق:

ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب

[الطلاق: 2-3]. ولنا أن نعرف أن من أكل بباطل جاع بحق، أي أن الله يبتليه بمرض يجعله لا يأكل من الحلال الطيب، فتجد إنسانا يمتلك أموالا ويستطيع أن يأكل من كل ما في الكون من مطعم ومشرب، ولكن الأطباء يحرمون عليه الأكل من أطعمة متعددة لأن أكلها وبال وخطر على صحته، وتكون النعمة أمامه وملك يديه، ولكنه لا يستطيع أن يأكل منها بحق.

وفي الوقت نفسه يتمتع بالنعمة أولاده وخدمه وحاشيته وكل من يعولهم، مثل هذا الإنسان نقول له: لابد أنك أخذت شيئا بالباطل فحرمك الله من الحق. ومن هنا نقول: " من أكل بباطل جاع بحق ". وكذلك نقول: " من استغل وسيلة في باطل أراه الله قبحها بحق " ، فالذي ظلم الناس بقوته وبعضلاته المفتولة لابد أن يأتي عليه يوم يصبح ضعيفا. والمرأة التي تهز وسطها برشاقة لابد أن يأتي عليها يوم يتيبس وسطها فلا تصبح قادرة على الحركة، والتي تخايل الناس بجمال عيونها في اليمين والشمال لابد أن يأتيها يوم وتعمى فلا ترى أحدا، وينفر الناس من دمامتها. إن كل من أكل بباطل سيجوع بحق، وكل من استغل وسيلة بباطل أراه الله قبحها بحق، واكتب قائمة أمامك لمن تعرفهم، واستعرض حياة كل من استغل شيئا مما خلقه الله في إشاعة انحراف ما أو جعله وسيلة لباطل لابد أن يريه الله باطلا فيه. وأنا أريد الناس أن يعملوا قائمة لكل المنحرفين عن منهج الله، ويتأملوا مسيرة حياتهم، وكل منا يعرف جيرانه وزملاءه من أين يأكلون؟ ومن أين يكتسبون؟ ليتأمل حياتهم ويعرف أعمال الحلال والحرام ويجعل حياتهم عبرة له ولأولاده، كيف كانوا؟ وإلي أي شيء أصبحوا؟ ثم ينظر خواتيم هؤلاء كيف وصلت. ومن حبنا لهؤلاء الناس نقول لهم: تداركوا أمر أنفسكم فلن تخدعوا الله في أنكم تجمعون المال الحرام، وبعد ذلك تخرجون منه الصدقات، إن الله لن يقبل منكم عملكم هذا لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيب. ونحن نسمع عن كثير من المنحرفين في الحياة يذهبون للحج، ويقيمون مساجد ويتصدقون، وكل ذلك بأموال مصدرها حرام، ولهؤلاء نقول: إن الله غني عن عبادتكم، وعن صدقاتكم الحرام، وننصحهم بأن الله لا ينتظر منكم بناء بيوت له من حرام أو التصدق على عباده من مال مكتسب بغير حلال، لكنه سبحانه يريد منكم استقامة على المنهج. وحين نتأمل الآية نجد فيها عجبا، يقول الله عز وجل: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } [البقرة: 188] لقد ذكر الحق الحكام في الآية لأن الحاكم هو الذي يقنن ويعطي مشروعية للمال ولو كان باطلا، وقوله سبحانه: { تدلوا } مأخوذة من " أدلى " ، ونحن ندلي الدلو لرفع الماء من البئر و " دلاه ": أي أخرج الدلو، أما " أدلى ": فمعناها " أنزل الدلو ". ولذلك في قصة الشيطان الذي يغوي الإنسان قال الحق:

فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما..

[الأعراف: 22]. { وتدلوا بها إلى الحكام } [البقرة: 188] أي ترشوا الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالباطل، ومن العجيب أن هذا النص بعينه هو نص الرشوة.

صفحه نامشخص