220

بريح صرصر عاتية

[الحاقة: 6]، لكن هذه القاعدة كسرتها آية واحدة في قوله تعالى:

وجرين بهم بريح طيبة..

[يونس: 22]. لماذا؟. لأن الريح لو اختلفت على السفينة لكانت كارثة فكان لابد أن تأتي الرياح إلى السفينة من اتجاه واحد، ولذلك لم يترك الله كلمة " ريح " مطلقة، وإنما وصفها بأنها ريح طيبة. وفي قول آخر يقول الحق سبحانه وتعالى:

وفرحوا بها جآءتها ريح عاصف

[يونس: 22]. إنه سبحانه يلفتنا إلى قدرته، حتى لا يعتقد أحد أن الله خلق الخلق وخلق لهم قانونا ثم تخلى عن حكمهم، لا، إنه سبحانه هو ما يزال قيوم السماوات والأرض وله مطلق القدرة. { والسحاب المسخر بين السمآء والأرض } [البقرة: 164]. والتسخير معناه حمل الشيء على حركة مطلوبة منه لا اختيار له فيها، والله يسخر السحاب لأنه يريده أن يمطر هنا، فيأتي مسخر الرياح فيسوقه إلى حيث يريد الله، وأنت قد تنتفع بمطر ينزل من سحابة في غير مكانك، ونحن ننتفع - في مصر - بماء النيل برغم أن المطر ينزل في جنوب السودان، وفي هضاب الحبشة، ولو اقتصرنا على الماء الذي ينزل من سماء مصر لكنا قد هلكنا عطشا، وهذا يؤكد معنى قوله تعالى:

إذآ أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به المآء..

[الأعراف: 57]. إن السحاب يسير مسخرا إلى غاية مطلوبة منه ولا إرادة له فيها. ويختم الحق الآية بقوله: { لآيات لقوم يعقلون } [البقرة: 164] أي أنها عجائب لقوم يعقلون. وحين يقول الحق: { لقوم يعقلون } [البقرة: 164] فكأنه ينبه الملكة المفكرة العاقلة في الإنسان. وحين يخاطبك مخاطب وينبه فيك الملكة العاقلة فأعلم أن ما يخبر به ينتهي عقلك إليه بمجرد أن تفكر، وإلا لو لم يكن الأمر كذلك ما كانت هناك ضرورة أن يذكر لك كلمة العقل. والقرآن الكريم دائما يقول: " يتفكرون " ، و " يعقلون " و " يتدبرون " و " يتذكرون " وكل ذلك معناه أنهم لو فكروا، ولو عقلوا، ولو تدبروا، ولو تذكروا لانتهوا إلى الحقيقة التي يريدها الله. والحق سبحانه وتعالى ينبه المسلم دائما لأن يستقبل الأمور بعقله وبفكره وبتدبره وبتذكره، لأنه سبحانه يعلم أن الإنسان إذا فكر أو عقل أو تذكر أو تدبر فسوف ينتهي إلى ذات القضية. ومن بعد ذلك يقول الحق: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله... }.

[2.165]

الند هو الشبيه والنظير، والكافر هو من يجعل لله شبيها ونظيرا، والمشركون لا يخلون الله عن الألوهية، إنما يشركون معه غيره أندادا، وهم يحبون هؤلاء الأنداد كحبهم لله، أو يحبونهم كحبكم أنتم لله، فكما يحب المؤمن ربه، يحب الكافر إلهه الذي اتخذه معبودا. { والذين آمنوا أشد حبا لله } [البقرة: 165] لماذا؟. لأن هذا هو الحب الذي لا يختلف عليه أحد، ولكن حب هؤلاء المشركين للآلهة المتعددة المزيفة يختلف فعندما يمس المشرك الضر يتضرع إلى الله وليس إلى الآلهة المزيفة، مصداقا لقوله تعالى:

صفحه نامشخص