175

Tafsir Al-Sha'rawi

تفسير الشعراوي

ژانرها

فقد عشنا بها زمنا رغدا

أماني من ليلى حسان كأنما

سقتنا بها ليلى على ظمأ بردا

وقوله تعالى: { تلك أمانيهم } [البقرة: 111] تبين لنا أن الأماني هي مطامع الحمقى لأنها لا تتحقق.. والحق سبحانه يقول: { قل هاتوا برهانكم } [البقرة: 111].. وما هو البرهان؟.. البرهان هو الدليل.. ولا تطلب البرهان إلا من إنسان وقعت معه في جدال واختلفت وجهات النظر بينك وبينه.. ولا تطلب البرهان إلا إذا كنت متأكدا أن محدثك كاذب.. وأنه لن يجد الدليل على ما يدعيه. هب أن شخصا ادعى أن عليك مالا له.. وطلب منك أن تعيده إليه وأنت لم تأخذ منه مالا.. في هذه الحالة تطلب منه تقديم الدليل.. فالكمبيالة التي كتبتها له أو الشيك أو إيصال الأمانة.. وأضعف الإيمان أن تطلب منه شهودا على أنك أخذت منه المال.. ولكن قبل أن تطالبه بالدليل.. يجب أن تكون واثقا من نفسك وأنه فعلا يكذب وأنك لم تأخذ منه شيئا. إذن فقول الحق سبحانه: { هاتوا برهانكم } [البقرة: 111].. كلام من الله يؤكد أنهم كاذبون.. وأنهم لو أرادوا أن يأتوا بالدليل.. فلن يجدوا في كتب الله ولا في كلام رسله ما يؤكد ما يدعونه، وإن أضافوه يكن هذا افتراء على الله ويكن هناك الدليل الدامغ على أن هذا ليس من كلام الله ولكنه من افتراءاتهم. إذن فليس هناك برهان على ما يقولونه.. ولو كان هناك برهان ولو كان في هذا الكلام ولو جزءا من الحقيقة.. ما كان الله سبحانه وتعالى يطالبهم بالدليل. إذن لا تقول هاتوا برهانكم إلا إذا كنت واثقا أنه لا برهان على ما يقولون لأنك رددت الأمر إليه فيما يدعيه.. وهو يحب أن يثبته ويفعل كل شيء في سبيل الحصول على برهان.. ولا يمكن أن يقول الله: { هاتوا برهانكم } [البقرة: 111].. إلا وهو سبحانه يعلم أنهم يكذبون.. ولذلك قال: { إن كنتم صادقين } [البقرة: 111].. أي إن كنتم واثقين من أن ما تقولونه صحيح لأن الله يعرف يقينا أنكم تكذبون.

[2.112]

بعد أن بين لنا الله تبارك وتعالى كذب اليهود وطالبهم بالدليل على ما قالوه من أنه لن يدخل الجنة إلا اليهود والنصارى جاء بحقيقة القضية ليخبرنا جل جلاله من الذي سيدخل الجنة.. فقال: " بلى ".. وعندما تقرأ: " بلى " اعلم أنها حرف جواب ولابد أن يسبقها كلام ونفي.. فساعة يقول لك إنسان ليس لي عليك دين.. إذا قلت له نعم فقد صدقت أنه ليس عليه دين.. ولكن إذا قلت بلى فذلك يعني أن عليه دينا وأنه كاذب فيما قاله.. إذن بلى تأتي جوابا لتثبت نفي ما تقدم. هم قالوا

لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى

[البقرة: 111].. عندما يقول الله لهم " بلى " فمعنى ذلك أن هذا الكلام غير صحيح.. وأنه سيدخلها غير هؤلاء.. وليس معنى أنه سيدخلها غير اليهود والنصارى.. أن كل يهودي وكل نصراني سيدخل الجنة.. لأن الله سبحانه وتعالى قد حكم حينما جاء الإسلام بأن الذي لا يسلم لا يدخل الجنة.. واقرأ قوله جل جلاله:

ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين

[آل عمران: 85]. لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى.. أنه لن يدخلها اليهود ولا النصارى.. لأن القرآن أزلي.. ما معنى أزلي؟.. أي أنه يعالج القضايا منذ بداية الخلق وحتى يوم القيامة.. فالقرآن كلام الله تبارك وتعالى.. فلو أنه قال لن يدخل الجنة إلا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم لكان في هذا تجاوز.. لأن هناك من آمن بموسى وقت رسالته وعاصره واتبعه وحسن دينه ومات قبل أن يدرك محمدا عليه الصلاة والسلام.. فهل هذا لا يدخل الجنة ويجازى بحسن عمله.. وهناك من النصارى من آمن بعيسى وقت حياته.. وعاصره ونفذ تعاليمه ومنهجه ثم مات قبل أن يبعث محمد عليه الصلاة والسلام.. أهذا لن يدخل الجنة؟.. لا.. يدخل وتكون منزلته حسب عمله ويجازى بأحسن الجزاء.. ولكن بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وجاء الإسلام ونزل القرآن، فكل من لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة.. بل ولن يراها.. ولذلك جاء كلام الله دقيقا لم يظلم أحدا من خلقه. إذن فقوله تعالى: { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن } [البقرة: 112].. أي لا يدخل الجنة إلا من أسلم وجهه لله وهو محسن.. فقد يسلم واحد وجهه لله ويكون منافقا يظهر غير ما يبطن.. نقول إن المنافقين لم يكونوا محسنين ولكنهم كانوا مسيئين .

صفحه نامشخص