تفسير القرآن الكريم - اللهيميد - من الفاتحة إلى النساء
تفسير القرآن الكريم - اللهيميد - من الفاتحة إلى النساء
ژانرها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير القرآن الكريم
سورة الفاتحة - سورة البقرة
سورة آل عمران- سورة النساء
فوائد - منوعات - فضائل - أقوال
إعداد
سليمان بن محمد اللهيميد
السعودية - رفحاء
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير الاستعاذة والبسملة
تفسير سورة الفاتحة
١٠/ ٤/ ١٤٣١ هـ
1 / 2
تفسير الاستعاذة والبسملة.
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أي أستجير بجناب الله من الشيطان أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله.
• قوله تعالى (الشيطان) يحتمل: أن المراد به الشيطان المخصوص وهو إبليس الذي كانت قصته مع أبينا آدم، ويحتمل: أن المراد به كل شيطان [كل ما يصدق عليه هذا الاسم أو الوصف]، وهذا أصح، لأنه يدخل فيه الأول ويدخل فيه سائر الشياطين، ومن المعلوم أن سائر الشياطين يصدون الإنسان عن طاعة الله.
• قوله تعالى (الشيطان) مشتق على الصحيح من شَطَن أي بعُد، فالشيطان بعيد عن الخير وطباع البشر وعن كل معروف، وقيل: مشتق من شاط، لأنه مخلوق من نار، والأول أصح.
• (الرجيم) صفة للشيطان، فالرجيم فعيل بمعنى مفعول أي: إنه مرجوم مطرود عن الخير كله.
والرجم أصله الرمي بالحجارة، والشيطان مرجوم بالقول وبالفعل:
بالقول: بالسب والشتم والذم ويلحق به كل قول قبيح.
وبالفعل: أن رجمه الله أي طرده وأبعده من رحمته، ويرجم بالشهب كما قال تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجومًا للشياطين) وقال تعالى (إنا زينا السماء الدنيا بزينةٍ الكواكب وحفظًا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورًا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب).
وقيل: رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس. قال ابن كثير: والأول أشهر وأصح. [تفسير ابن كثير]
1 / 3
مباحث:
• تشرع الاستعاذة في مواضع:
منها: عند قراءة القرآن.
قال تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
ومنها: عند حصول نزغ من الشيطان ووسوسة.
قال تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
ومنها: عند ما يوسوس الشيطان للمسلم في معتقده بربه.
لحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله ﷺ (يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) متفق عليه.
ومنها: عند ما يُلبس الشيطان على الإنسان في صلاته.
لحديث عثمان بن أبي العاص (أنه أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليّ، فقال رسول الله ﷺ: ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثًا، قال: فعلت ذلك، فأذهبه الله عني) رواه مسلم.
ومنها: عند الغضب.
لحديث سليمان بن صُرد قال (استب رجلان عند النبي ﷺ ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي ﷺ: إني لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، …) متفق عليه.
1 / 4
ومنها: عندما يرى الإنسان رؤيا يكرهها.
لحديث أبي قتادة. قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه، فلينفث عن يساره ثلاثًا، ويتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره ..، وفي رواية: وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها … فإنها لن تضره).
ومنها: عند نزول منزل.
لحديث خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول (من نزل منزلًا، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات، من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك) رواه مسلم.
ومنها: عند دخول الخلاء.
لحديث أنس. قال (كان النبي ﷺ إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) متفق عليه.
• اختلف العلماء في حكم الاستعاذة في الصلاة وخارجها على قولين:
القول الأول: أنها واجبة.
لقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) قالوا: هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
استحباب الاستعاذة قبل القراءة، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوبها قبل القراءة لقوله تعالى (فاستعذ بالله).
القول الثاني: أنها مستحبة قبل القراءة، سواء كان ذلك في الصلاة أو خارجها.
وهذا قول جمهور العلماء.
قال ابن كثير: وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة، يأثم تاركها.
وقال النووي: ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب، وهو مستحب لكل قارئ، سواء كان في الصلاة أو في غيرها.
ويدل على عدم الوجوب:
حديث أنس قال النبي ﷺ (لقد أنزلت علي سورة آنفًا: بسم الله الرحمن الرحيم. إنا أعطيناك الكوثر) رواه مسلم. ولم يذكر الاستعاذة.
ولأن النبي ﷺ لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة، وهذا القول هو الصحيح.
• قوله (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) هذه إحدى صيغ الاستعاذة. واختار هذه الصيغة أكثر العلماء، لأنها الصيغة التي جاءت بالقرآن. [الجامع لأحكام القرآن: ١/ ٦٢].
1 / 5
وهو الذي ورد في السنة كما في حديث سليمان بن صُرد قال (استب رجلان عند النبي ﷺ ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي ﷺ: إني لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، …) متفق عليه.
قال ابن عطية: وأما لفظ الاستعاذة، فالذي عليه جمهور الناس، هو لفظ كتاب الله تعالى (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
الصيغة الثاني: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى (فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).
الصيغة الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
كما في حديث أبي سعيد الذي عند أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله ﷺ إذا قام من الليل فاستفتح صلاته
وكبر قال (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك - ثم يقول - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).
قال ابن كثير: وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق، والنفخ الكبر، والنفث الشعر [الشعر المذموم].
• الحكمة من الاستعاذة قبل القراءة:
أولًا: أن القرآن شفاء لما في الصدور يُذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات.
ثانيًا: أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن وتستمع لقراءته، والشيطان ضد الملك وعدوه، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه.
ثالثًا: أن الشيطان يُجلب بخيله ورجله على القارئ حتى يشغله عن المقصود بالقرآن.
رابعًا: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهم بالخير أو يدخل فيه. [إغاثة اللهفان: ١/ ١٠٧].
• ذهب جماهير العلماء أن الاستعاذة تكون قبل القراءة، ويدل لذلك:
قوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) المعنى: إذا أردت القراءة فاستعذ بالله.
قال الشنقيطي في قوله تعالى: (فإذا قرأت لقرآن فاستعذ بالله): إنه على حذف الإرادة، أي إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، والدليل على ذلك تكرر حذف الإرادة في القرآن، وفي كلام العرب، لدلالة المقام عليه، كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ..) الآية، أي إذا أردتم القيام إليها. … [أضواء البيان:].
وأيضًا فعل النبي ﷺ، فإنه كان يستعيذ قبل القراءة.
وقال بعض العلماء: تكون الاستعاذة بعد القراءة، على ظاهر الآية (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله).
والراجح قول الجمهور.
1 / 6
• فيه أنه لا نجاة من الشيطان الجني إلا بالاستعاذة، أما الشيطان الإنسي فكما قال تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وقال تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).
قال ابن كثير: … ولهذا أمر الله بمصانعة شيطان الإنسان ومداراته بإسداءِ الجميل إليه، ليَرُدَّهُ طبعُه عما هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رِشوةً ولا يؤثر فيه جميل، لأنه شرير بالطبع، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة قوله تعالى في الأعراف (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ …) هذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ثم قال (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وقال تعالى في سورة قد أفلح (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ. وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ). وقال تعالى في فصلت (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
فالشيطان الجني لا يقبل رشوة ولا إحسانًا، لا يبتغي إلا هلاك بني آدم لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل كما قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) وقال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، وقد أقسم للوالد آدم ﵇ إنه لمن الناصحين وكذب فكيف معاملته لنا وقد قال (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
قال بعض العلماء: إن نظرت إلى قصة أبيك فإنه أقسم بأنه له من الناصحين ثم كان عاقبة ذلك الأمر أنه سعى في إخراجه من الجنة، وأما في حقك فإنه أقسم بأنه يضلك ويغويك فقال (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) فإذا كانت هذه معاملته مع أنه قد أقسم أنه من الناصحين فكيف تكون معاملته مع أنه أقسم أنه يضل ويغوي؟!
الفوائد:
١ - مشروعية الاستعاذة دائمًا من الشيطان.
٢ - فيه دليل على أن الإنسان ينبغي أن يطلب العون من الله على الطاعة وعلى مجاهدة عدوه.
٣ - وفيه دليل على اعتراف العبد بالعجز وقدرة الرب.
٤ - وفيه أنه لا وسيلة إلى القرب من الله إلا بالعجز والانكسار.
٥ - وفيه الإقرار بالفقر التام للعبد، والغنى التام لله ﷾.
1 / 7
تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أي أبتدئ بتسمية الله وذكرهِ قبل كل شيء، مستعينًا به جل وعلا في جميع أموري، طالبًا منه وحده العون، فإنه الرب المعبود ذو الفضل والجود، واسع الرحمة كثير التفضل والإحسان، الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمَّ فضله جميع الأنام.
• يستحب للمسلم أن يبدأ قراءة القرآن بالبسملة.
• (الله) علم على ذاته ﵎، وكل الأسماء الحسنة تضاف إليه كما قال تعالى (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى).
وقال ﷺ (إن لله تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة) متفق عليه.
ولذلك تقول: الرحمن من أسماء الله، ولا تقول الله من أسماء الرحمن.
• ومعنى (الله) أي: المألوه المعبود الذي تعبده الخلائق، وتتأله له محبة وتعظيمًا وخضوعًا له، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب، لما له من صفات الألوهية، وهي صفات الكمال.
• (الله) لا يعرف أحد تسمى به لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وهو مختص بالله لفظًا ومعنى.
لفظًا: أي أن هذا اللفظ لا يصح أن يسمى به أحد.
ومعنى: أي أن الصفة التي تضمنها هذا الاسم وهي الإلهية لا يصلح شيء منها للمخلوق.
• قال بعض العلماء: إنه الاسم الأعظم.
لأنه يوصف بجميع الصفات، هذا دليل نظري على أن لفظ الجلالة (الله) هو الاسم الأعظم، أي أن هذه الأسماء جميعًا ترجع إليه لفظًا ومعنى.
• معنى ترجع إليه لفظًا: أي أن أسماء الله تأتي بعده ولا يأتي بعد شيء منها كما سبق في الآيات الحديث.
• ومعنى ترجع إليه معنىً: أي أن هذا الاسم يتضمن صفة الإلهية وهي أوسع الصفات، وهذه الصفة ترجع إليها جميع الصفات.
وقد اختلف العلماء ما هو الاسم الأعظم الذي ورد فيه الحديث (لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى).
1 / 8
القول الأول: هو الله.
للعلة التي سبقت وهي أن جميع الأسماء ترجع إليه.
ولأنه الاسم الذي تكرر في الأحاديث الواردة ومنها: أن رجلًا قال (اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد فقال ﷺ: لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى) رواه أبو داود.
وكحديث أنس قال (كنت جالسًا مع النبي ﷺ في المسجد ورجل يصلي فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات … فقال رسول الله ﷺ: دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب) رواه أبو داود.
ولأن هذا الاسم ما أطلق على غير الله.
القول الثاني: إن اسم الله الأعظم: الحي القيوم.
واستدل لهذا القول ببعض الأحاديث التي فيها مقال مثل حديث (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وفاتحة آل عمران (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وهما عند أبي داود.
وهذان القولان أقوى الأقوال، والأول أقوى من الثاني.
• قوله (الله) اختلف هل هو مشتق أم غير مشتق والراجح أنه مشتق.
قال الشيخ حافظ حكمي ﵀: واختلفوا في اشتقاقه على أقوال أقواها أنه مشتق من أله يأله إلاهة، فأصل الاسم الإله، ومن أقوى الأدلة عليه قوله تعالى (وهو الله في السماوات وفي الأرض) مع قوله ﷿ (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) ومعناه ذو الألوهية التي لا تنبغي إلا له.
• فائدة: والأسماء المشتقة أبلغ من الأسماء الجامدة، لأن الأسماء المشتقة تتضمن أوصافًا، بخلاف الأسماء الجامدة، فكل أسماء الله مشتقة.
• قوله (الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم.
1 / 9
لكن ما الفرق بينهما:
قيل: الرحمن: ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة الخاصة للمؤمنين يوم القيامة.
واستدلوا بقوله تعالى (وكان بالمؤمنين رحيمًا).
وقيل: الرحمن يدل على الصفة العائدة على الله من الرحمة، والرحيم يدل على تعلقها بالمرحوم، فالرحمن دال على أن الرحمة صفته، والرحيم دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وهذا أصح وهو اختيار ابن القيم.
إذن: الرحمن تدل على الوصف، والرحيم تدل على الفعل، أي: على أنه يرحم.
ومما يضعف القول الأول قوله تعالى (إن الله بالناس لرؤوف رحيم).
• … (الرحمن) على وزن فعلان، وهو ذو الرحمة الواسعة. (والرحيم) الموصل رحمته لمن يشاء من عباده.
• … (الرحمن) مختص بالله لا يسمى به غيره ولا يعرف أحد تسمى به، قال ابن كثير: ولما تجهرم مسيلمة الكذاب وتسمى برحمن اليمامة كساه الله جلباب الكذب وشهر به فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب فصار يضرب به المثل في الكذب.
• والفرق بين الرحمن والله: الله مختص بالله لفظًا ومعنى، وأما الرحمن مختص بالله لفظًا لا معنى، فإن المخلوق يوصف بالرحمة.
• وقد قسّم العلماء ﵏ الرحمة إلى قسمين:
عامة - وخاصة.
فأما العامة: فهي الشاملة لجميع الخلق (المؤمن والكافر والبر والفاجر)، فكل الخلق تحت رحمة الله ﷿.
1 / 10
وأما الرحمة الخاصة: فهي التي تختص بالمؤمنين.
والفرق بينهما: أن الرحمة الخاصة تتصل برحمة الآخرة، فيكون لله على المؤمنين رحمة في الدنيا ورحمة في الآخرة.
وأما الرحمة العامة: فلا أثر لها إلا في الدنيا، ولذلك الكفار في الآخرة يعاملون بالعدل ولا يعاملون بالرحمة
• قال الشيخ ابن عثيمين: وذكر هذين الاسمين الكريمين في البسملة التي تتقدم فعل العبد وقوله، إشارة إلى أن الله إذا لم يرحمك فلن تستفيد لا من هذا الفعل ولا من هذا القول، ولهذا قال النبي ﷺ: (لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته).
الفوائد:
١ - إثبات اسم من أسماء الله وهو الرحمن المتضمن للرحمة الواسعة.
الواسعة: كما قال تعالى (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ).
وقال تعالى (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) وقال تعالى (ورحمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
ورحمته سبقت غضبه: كما قال ﷺ (إن الله لما خلق الخلق كتب في كتاب عنده: إن رحمتي تغلب غضبي) متفق عليه.
والله أرحم بعباده من الأم بولدها. كما في حديث عمر أنه قال (قدم على رسول الله بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذ وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته بطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله ﷺ: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله ﷺ: الله أرحم بعباده من هذه بولدها) متفق عليه.
1 / 11
• وإذا كان الله ذو رحمة واسعة فينبغي أن يعمل بالأسباب التي تنال بها الرحمة:
أولًا: رحمة الناس.
قال ﷺ (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه أبو داود.
وقال ﷺ (إنما يرحم الله من عباده الرحماء).
وقال ﷺ (والشاة إن رحمتها رحمك الله).
ثانيًا: الإحسان.
قال تعالى (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
ثالثًا: طاعة الرسول ﷺ-.
قال تعالى (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
رابعًا: السماحة في البيع والشراء.
قال رسول الله ﷺ (رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى). رواه البخاري.
خامسًا: عيادة المريض.
قال رسول الله ﷺ: (من عاد مريضًا خاض في الرحمة).
سادسًا: قيام الليل وإيقاظ الأهل.
قال رسول الله ﷺ (رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء) رواه أبو داود.
سابعًا: الحلق في النسك.
قال رسول الله: ﷺ (اللهم ارحم المحلقين ثلاثًا).
ثامنًا: مجالس الذكر.
1 / 12
قال رسول الله ﷺ (لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ....). رواه مسلم.
تاسعًا: الجلوس في المسجد.
قال رسول الله ﷺ (إن الملائكة تستغفر للمصلي مادام في مصلاه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه). متفق عليه
عاشرًا: سماع حديث الرسول وتبليغه.
قال رسول الله ﷺ (رحم الله من سمع مني حديثًا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع) رواه ابن حبان.
الحادي عشر: الإنصات للقرآن.
قال تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
• تشرع التسمية (استحبابًا أو وجوبًا) في مواضع:
منها: عند الوضوء.
لقوله ﷺ (لا صلاة لمن لا وضوء له) رواه أبو داود.
ومنها: عند الركوب.
قال الله تعالى (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ).
وفي حديث علي (… وأُتيَ بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله .... الحديث وفي آخره قال: رأيت النبي ﷺ فعل كما فعلت) رواه أبو داود.
ومنها: عند الذبح والصيد.
لقوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ).
1 / 13
وقال تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ).
وعن عدي بن حاتم. قال: قال رسول الله ﷺ (إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم الله عليه فكل) متفق عليه.
ومنها: عند الأكل.
لحديث عمرو بن سلمة. قال (كنت غلامًا في حجر النبي ﷺ، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال: يا غلام سم الله، وكل بيمينك .....) متفق عليه.
ومنها: عند دخول المنزل.
لحديث جابر. أن رسول الله ﷺ قال (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء) رواه مسلم.
ومنها: عند الجماع.
لحديث ابن عباس. عن النبي ﷺ أنه قال (لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا …) متفق عليه.
ومنها: عند الخروج من البيت.
لحديث أنس. قال: قال رسول الله ﷺ (إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذ: هديت وكفيت …) رواه أبو داود.
ومنها: في المساء والصباح.
لحديث عثمان. قال: قال رسول الله ﷺ (من قال: بسم الله، الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو
السميع العليم، ثلاث مرات، لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح …) رواه أبو داود.
1 / 14
ومنها: إذا عثر المرء أو عثرت دابته.
لحديث رجل قال (كنت رديف النبي ﷺ فعُثِر بالنبي ﷺ فقلت: تعس الشيطان، فقال النبي ﷺ: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته، وإذا قلت بسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب) رواه أبو داود.
ومنها: عند وضع الميت في قبره.
لحديث ابن عمر (أن النبي ﷺ كان إذا وضع الميت في القبر قال: بسم الله، وعلى سنة رسول الله) رواه أبو داود.
• وقد اختلف العلماء في البسملة في أول السور هل هي من السورة أم لا؟
القول الأول: هي آية من سورة الفاتحة، ومن كل سورة.
وهذا مذهب الشافعي.
لحديث أنس قال (بينما رسول الله ﷺ ذات يوم بين أظهرنا بالمسجد، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: نزلت علي آنفًا سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر) رواه مسلم.
القول الثاني: ليست من الفاتحة ولا من أول سورة بل هي آية مستقلة نزلت للفصل بين السور.
وهذا مذهب الحنفية واختيار ابن تيمية.
لحديث أبي هريرة. قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول (قال تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، …) رواه مسلم.
فالرسول ﷺ بدأ بقوله: الحمد لله رب العالمين، دون بسم الله الرحمن الرحيم، ولو كانت البسملة من الفاتحة لبدأ بها لا بالحمد.
ولحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله ﷺ (إن سورة من القرآن من ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي: تبارك الذي بيده الملك) رواه الترمذي.
فالرسول ﷺ ذكر أن مقدار سورة الملك ثلاثون آية، وقد اتفق القراء وغيرهم على أنها ثلاثون آية سوى البسملة، ولو كانت منها لكانت إحدى وثلاثين، وهو خلاف قول الرسول ﷺ.
وهذا القول هو الصحيح.
فائدة الخلاف: أن من قال أنها آية من أول كل سورة قال بوجوب قراءتها قبل الفاتحة في الصلاة، لأنها إحدى آياتها، ومن لم يقل بأنها آية من أول كل سورة لم يقل بذلك.
1 / 15
تفسير سورة الفاتحة
مقدمة:
أسماؤها:
• بعض أسماء سورة الفاتحة:
الاسم الأول: فاتحة الكتاب.
ويعد هذا أشهر أسمائها، وقد ثبتت هذه التسمية في السنة في أحاديث كثيرة.
كقوله ﷺ (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه، وقوله ﷺ (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) رواه مسلم.
وسبب التسمية بذلك: كما قال ابن كثير: لأنها فاتحة الكتاب خطًا وبها تفتح القراءة في الصلوات.
الاسم الثاني: أم الكتاب، أم القرآن.
وقد ورد هذا الاسم في السنة في أحاديث كثيرة.
كقوله ﷺ (أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم) رواه البخاري، وقوله ﷺ (الحمد لله رب العالمين أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني) رواه الترمذي.
وسبب التسمية بذلك: أن أم الشيء أصله، وهي أصل القرآن لاشتمالها على أنواع أغراض القرآن ومقاصده.
قال البغوي ﵀: سميت أم القرآن وأم الكتاب، لأنها أصل القرآن، منها بدئ القرآن.
الاسم الثالث: السبع المثاني.
وقد ورد هذا الاسم في السنة.
كقوله ﷺ لأبي سعيد بن المعلى (ألا أعلمنك أعظم سورة في القرآن، .... الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) رواه البخاري.
سبب التسمية: أما السبع، فلأن آياتها سبع، وأما وصف النبي ﷺ لآياتها بالمثاني، فأرجح الأقوال أنها تثنى في الصلاة، أي تكرر، فتكون التثنية بمعنى التكرار.
1 / 16
الاسم الرابع: القرآن العظيم.
كما قال ﷺ (الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته).
سبب التسمية: قال القرطبي: سميت بذلك لتضمنها جميع علوم القرآن.
الاسم الخامس: سورة الحمد، سميت بذلك لأنه ذكر في أولها لفظ الحمد.
الاسم السادس: الصلاة.
وهذا الاسم ثبت بالسنة.
فقد قال ﷺ (قال تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال الحمد لله رب العالمين، قال حمدني عبدي) رواه مسلم.
وقد ذكر الإمام النووي في شرحه على مسلم بعد ذكر الحديث السابق أن المراد بالصلاة الفاتحة، وعلل تسميتها بقوله: لأنها لا تصح الصلاة إلا بها.
• عدد آياتها:
قال ابن كثير: وهي سبع بلا خلاف.
• وهي مكية لقوله تعالى (ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم).
• ما ورد في فضلها:
سبق بعض الأحاديث في فضلها:
كقوله ﷺ لأبي سعيد بن المعلى (ألا أعلمنك أعظم سورة في القرآن، .... الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) رواه البخاري.
وكقوله ﷺ (أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم) رواه البخاري.
وقوله ﷺ (الحمد لله رب العالمين أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني) رواه الترمذي.
1 / 17
(الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). [الفاتحة: ١ - ٣].
(الْحَمْدُ للّهِ) ثناء من الله على نفسه ﷾، وهذا يتضمن أمر لعباده بحمده، وقد أمر بذلك فقال تعالى مخاطبًا لنبيه خطابًا يدخل فيه جميع أمته (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها). وقال تعالى (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى).
• الحمد وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم.
• الحمد لله: الألف واللام للاستغراق فجميع المحامد كلها لله، ومن أسمائه الحميد، قال ابن القيم:
وهو الحميدُ فكل حمدٍ واقع … أو كان مفروضًا مدى الأزمان
ملأ الوجودَ جميعَه ونظيرَه … من غير ما عدٍّ ولا حُسْبان
هو أهله سبحانَه وبحمده … كل المحامد وصف ذي الإحسان
• والله ﷿ يحمد على كمال صفاته، وعلى كمال إنعامه:
الحمد على كمال صفاته:
كقوله تعالى (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) وقال تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ).
الحمد على إنعامه:
كقوله ﷺ (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشربَ الشربة فيحمده عليها) رواه مسلم.
1 / 18
• قال بعض العلماء: إن الحمد هو الثناء على الله، وهذا قول ضعيف لأن الرسول ﷺ قال (قال تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال الحمد لله، قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم: قال: أثنى علي عبدي .....) رواه مسلم، ففرق بين الحمد والثناء، فالصحيح أن الثناء هو تكرار الحمد.
• قال ابن القيم: ومن أعظم نعمه علينا وما استوجب حمد عباده له، أن يجعلنا عبيدًا له خاصة ولم يجعلنا ربنا منقسمين بين شركاء متشاكسين، ولم يجعلنا عبيدًا لإله نحتته الأفكار، لا يسمع أصواتنا ولا يبصر أفعالنا ولا يعلم أحوالنا ولا يملك لعابديه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، ولا تكلم قط ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى.
ومما يحمد الله عليه:
خلق السماوات والأرض.
قال تعالى (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور …).
وعلى دخول الجنة.
قال تعالى (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).
(وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور).
وعلى صفات الكمال كالوحدانية وغيرها.
قال تعالى (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرًا).
إنزال الكتاب.
قال تعالى (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا).
وعلى ماله في السماوات والأرض.
قال تعالى (الحمد لله الذي له ما في السماوات والأرض).
• قال بعض العلماء إن هذه الكلمة (الحمد لله) كلمة كل شاكر ويدل لذلك:
قول أهل الجنة (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن).
وبقول نوح ﵇ (الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين).
1 / 19
وبقول أهل الجنة أيضًا (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).
وبقول إبراهيم ﵇ (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق).
وبقول داود وسليمان ﵉ (الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين).
• الحمد هل هو مرادف للشكر أم بينهما تغاير، اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
فقيل: بمعنى واحد.
وهذا اختيار ابن جرير الطبري.
وقيل: ليسا بمعنى واحد. وبه قال جماعة.
قال ابن تيمية: والحمد نوعان، حمد على إحسانه إلى عباده وهو من الشكر، وحمد لما يستحقه بنفسه من نعوت كماله، وهذا الحمد لا يكون إلا لمن هو في نفسه مستحق للحمد.
فالحمد أعم من الشكر.
قال ابن عطية: الحمد معناه الثناء الكامل، وهو أعم من الشكر، لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدي إلى الشاكر، والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود من غير أن يسدي شيئًا.
وقال الزمخشري: الشكر لا يكون إلا على نعمة، وأما الحمد فهو المدح والوصف بالجميل وهو شعبة واحدة من شعب الشكر.
• استنبط بعض العلماء من قول (الحمد لله) أن من أسماء الفاتحة: الحمد، وسميت بذلك لأنه ذكر في أولها لفظ الحمد ولم تنفرد هذه السورة بافتتاحها بلفظ الحمد، إنما يشترك معها أربع سور من سور القرآن وهي سورة الأنعام، والكهف وسبأ وفاطر، ولكن أطلق هذا الاسم بالغلبة على سورة الفاتحة، فإذا قلنا: سورة الحمد، فالمتبادر إلى الأذهان أن المقصود بها هي سورة الفاتحة لا غيرها من السور.
١ - جاءت أحاديث في فضل الحمد لله.
قال ﷺ (الحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض) رواه مسلم.
1 / 20