Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani
تفسير المنتصر الكتاني
ژانرها
فضل مصاحبة الصالحين
وعلمنا من هنا وفهمنا أن الاتصال بالصالحين وبالعارفين، ومعاشرة أهل الفضل والخير ترفع من مكان المعاشر ولو كان كلبًا.
فقد خلد الكلب بذكره في القرآن، واختلفوا في اسمه، ولا حاجة إلى ذلك، ولكنه أصبح شخصية قائمة، حيث ذكره الله وتكلم عنه.
وللكلب -أيضًا- ذكر في حياة النبي ﵊، فقد كان جبريل على موعد مع نبينا ﵊ في داره في المدينة المنورة، وإذا بالموعد يأتي ولا يأتي جبريل، فرآه بعد يوم أو يومين أو ثلاثة خارج البيت، فقال: يا جبريل! ما منعك أن تأتي؟ فقال: نحن -معاشر الملائكة- لا ندخل بيتًا فيه كلب أو صورة أو جنب أو كافر، وفي بيتك كلب.
فعجب النبي ﵊، من كون بيته فيه كلب لا علم له به، فدخل البيت، وإذا بجرو صغير تحت سريره، وهذا الجرو كان يلعب به حفيداه الحسن والحسين.
وللكلب قوة في حاسة الشم، فكان إذا شعر بمجيء النبي ﵊ فر من بين يدي الحسن والحسين واختفى، وإذا خرج النبي ﵊ بادر هذا الجرو فخرج إلى الحسن والحسين.
فالله تعالى كرم كلب أهل الكهف، فهؤلاء الفتية الصالحون العارفون بالله عندما تمسح بهم هذا الكلب، ولحقهم ودخل معهم في كهفهم أنامهم الله وأنام معهم كلبهم، وقد ورد أن هذا الكلب سيكون في الجنة مع أهل الكهف، كما ورد أن حمار عزير سيكون معه -أيضًا- في الجنة.
وهذا من باب ما أخبر به النبي ﵊ ذات مرة، حيث ذكر أن الجنة درجات ومنازل، ما بين كل درجة ودرجة كما بين الأرض والسماء، ولا ترى تلك الدرجة العليا إلا كما يرى النجم البعيد، وقال: (منازل الأنبياء في الفردوس الأعلى).
وإذا بأحد الأصحاب ممن إذا حضر لم يعرف، وإذا غاب لم يفتقد يغيب زمنًا، ثم يحضر وعليه آثار شحوب، وآثار ألم نفساني، فقال له النبي ﵊: ما بالك يا فلان؟! فأخذ يبكي، وقال يا رسول الله! سمعتك تتحدث عن الجنة ودرجاتها، وأن أعلاها الفردوس، وهي منازل الأنبياء والمرسلين، وأنا مهما أكن -إن أكرمني الله فدخلت الجنة- فلن أكون في الفردوس، فكيف أدخل الجنة ولا أراك؟! وإذا بالنبي ﵊ يقول له: (المرء مع من أحب)، قال الصحابة: مضى زمن طويل فلم نسر ولم نفرح بشيء سمعناه من رسول الله ﵊ كفرحنا وسرورنا بهذا الحديث.
وهكذا حب الصالحين، فهؤلاء العارفون بالله لحقهم راعٍ فألحوا وحرصوا على أن يبعدوه عنهم، وخافوا منه، ويأبى ألا أن يلحق بهم، وكان معه كلب، وكان هو الثامن، فوقف يحرسهم على فم الكهف كعادة الكلاب، فكرمه الله وشرفه الله، وأنزل فيه وحيًا يتلى في كتابه.
وقد كان أحد العلماء الصالحين جالسًا مع أمير في القرن السادس أو السابع، وإذا بالعالم يقول شيئًا، ويغضب ذلك الأمير، فيشتمه ويقول له: يا كلب.
فضاقت نفس العالم، فذهب إلى بيته تلك الليلة، وكتب مؤلفًا اسمه: (تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)، ولم ينم تلك الليلة، وفي الصباح أرسله إلى الأمير، ففهم الأمير أن العالم يقول له: هذا الكلب الذي شتمتني به أفضل منك، وفيه من الخصال والمزايا ما ليس فيك، لكن الأمير كان ذا فضل، وإنما أصابته نزوة من النزوات حملته على أن يقول ذلك لهذا العالم، فاعترف له، واعتذر إليه وطلب مغفرته.
وقد اشتهر الكلب بالوفاء، واشتهر بالقناعة، واشتهر بحسن الحراسة، وبالصبر.
فالكلب لا شك -كما قال ابن رجب - في أنه أفضل من كثير من الناس، فهو أفضل من الكفار والمشركين بما له من صفات، وأفضل من المنافقين بما له من صفات.
وقد أخبر ﵊ بأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب، وبأن من كان عنده في البيت كلب فإنه ينقص من أجره وثوابه كل يوم كذا وكذا، أي: حسنات.
وقد أذن النبي ﵊ بكلب الرعي وبكلب الحراسة، فمن كان له أغنام لا بد لها من كلاب ترعاها وتصونها من الذئاب فله أن يتخذ كلبًا.
وكذلك من يسكن البراري، يحتاج إلى كلب لينبهه بنباحه، فله ذلك ولكن ليس من الضروري أن يدخله البيت، بل يكون في الفناء، ومن هنا قال تعالى: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ [الكهف:١٨].
وإلا فالمكان مليء بالملائكة التي تحرسهم، ولو كان الكلب في الكهف لفرت الملائكة، ولكن الكلب بقي على الباب، فهؤلاء الفتية العارفون بالله بحثوا عن موقع للكلب، وكان الكلب معهم، فبقوا محروسين مصانين من ملائكة الله لا تصل إليهم يد، بل ولا تصل إليهم عين.
4 / 10