تفسير البيضاوى
تفسير البيضاوى
ویرایشگر
محمد عبد الرحمن المرعشلي
ناشر
دار إحياء التراث العربي
ویراست
الأولى
سال انتشار
١٤١٨ هـ
محل انتشار
بيروت
وَرَبُّكُمْ
إشارة إلى استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذي غايته التوحيد، وقال: فَاعْبُدُوهُ إشارة إلى استكمال القوة العلمية فإنه بملازمة الطاعة التي هي الإِتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهي، ثم قرر ذلك بأن بين أن الجمع بين الأمرين هو الطريق المشهود له بالاستقامة، ونظيره
قوله ﵊ «قل آمنت بالله ثم استقم»
. [سورة آل عمران (٣): آية ٥٢]
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢)
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ تحقق كفرهم عنده تحقق ما يدرك بالحواس. قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ ملتجئًا إلى الله تعالى أو ذاهبًا أو ضامًا إليه، ويجوز أن يتعلق الجار ب أَنْصارِي مضمنًا معنى الإِضافة، أي من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله تعالى فى نصري. وقيل إلى هاهنا بمعنى (مع) أو (في) أو (اللام) .
قالَ الْحَوارِيُّونَ حواري الرجل خاصته من الحور وهو البياض الخالص، ومنه الحواريات للحضريات لخلوص ألوانهن. سمي به أصحاب عيسى ﵊ لخلوص نيتهم ونقاء سريرتهم. وقيل كانوا ملوكًا يلبسون البيض استنصر بهم عيسى ﵊ من اليهود. وقيل قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها. نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ أي أنصار دين الله. آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ لتشهد لنا يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم وعليهم.
[سورة آل عمران (٣): الآيات ٥٣ الى ٥٤]
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤)
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ أي مع الشاهدين بوحدانيتك، أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأتباعهم، أو مع أمة محمد ﷺ فإنهم شهداء على الناس.
وَمَكَرُوا أي الذين أحس منهم الكفر من اليهود بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة. وَمَكَرَ اللَّهُ حين رفع عيسى ﵊ وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل. والمكر من حيث إنه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى إلا على سبيل المقابلة والإِزدواج. وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أقواهم مكرًا وأقدرهم على إيصال الضرر مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ.
[سورة آل عمران (٣): آية ٥٥]
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥)
إِذْ قالَ اللَّهُ ظرف لمكر الله أو خير الماكرين، أو لمضمر مثل وقع ذلك. يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ أي مستوفي أجلك ومؤخرك إلى أجلك المسمى، عاصمًا إياك من قتلهم، أو قابضك من الأرض من توفيت مالي، أو متوفيك نائمًا إذ روي أنه رفع نائمًا، أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت. وقيل أماته الله سبع ساعات ثم رفعه إلى السماء وإليه ذهبت النصارى. وَرافِعُكَ إِلَيَّ إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي. وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا من سوء جوارهم أو قصدهم وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعاونهم بالحجة أو السيف في غالب الأمر، ومتبعوه من آمن بنبوته من المسلمين والنصارى وإلى الآن لم تسمع غلبة لليهود عليهم ولم يتفق لهم ملك ودولة. ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ الضمير لعيسى ﵊ ومن تبعه ومن كفر به، وغلب المخاطبين على الغائبين. فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من أمر الدين.
2 / 19