174

تفسير البيضاوى

تفسير البيضاوى

ویرایشگر

محمد عبد الرحمن المرعشلي

ناشر

دار إحياء التراث العربي

ویراست

الأولى

سال انتشار

١٤١٨ هـ

محل انتشار

بيروت

غير عاصم في رواية ابن عياش على أن الفاعل هو الله تعالى وزكريا مفعول أي جعله كافلًا لها وضامنًا لمصالحها، وخفف الباقون. ومدوا «زكرياء» مرفوعًا. كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ أي الغرفة التي بنيت لها، أو المسجد، أو أشرف مواضعه ومقدمها، سمي به لأنه محل محاربة الشيطان كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس. وَجَدَ عِنْدَها رِزْقًا جواب كُلَّما وناصبه.
روي: أنه كان لا يدخل عليها غيره وإذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب، وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس
. قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا من أين لك هذا الرزق الآتي في غير أوانه والأبواب مغلقة عليك، وهو دليل جواز الكرامة للأولياء. جعل ذلك معجزة زكريا يدفعه اشتباه الأمر عليه. قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فلا تستبعده. قيل تكلمت صغيرة كعيسى ﵇ ولم ترضع ثديًا قط وكان رزقها ينزل عليها من الجنة. إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ بغير تقدير لكثرته، أو بغير استحقاق تفضلًا به. وهو يحتمل أن يكون من كلامهما وأن يكون من كلام الله تعالى.
روي (أن فاطمة رضي الله تعالى عنها أهدت لرسول الله ﷺ رغيفين وبضعة لحم فرجع بها إليها وقال: هلمي يا بنية، فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا ولحما فقال لها: أنَّى لك هذا! فقالت: هو من عند الله إن الله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حساب، فقال الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل، ثم جمع عليًا والحسن والحسين وجمع أهل بيته عليه حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو فأوسعت على جيرانها)
. [سورة آل عمران (٣): الآيات ٣٨ الى ٣٩]
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ في ذلك المكان، أو الوقت إذ يستعار هنا وثم وحيث للزمان، لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله تعالى. قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً كما وهبتها لحنة العجوز العاقر. وقيل لما رأى الفواكه في غير أَوَانِهَا انتبه على جواز ولادة العاقر من الشيخ، فسأل وقال هب لي من لدنك ذرية، لأنه لم يكن على الوجوه المعتادة وبالأسباب المعهودة. إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ مجيبه.
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ أي من جنسهم كقولهم زيد يركب الخيل. فإن المنادي كان جبريل وحده. وقرأ حمزة والكسائي «فناداه» بالإِمالة والتذكير. وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أي قائمًا في الصلاة، و(يصلي) صفة قائم أو خبر أو حال آخر أو حال عن الضمير في قائم. أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى أي بأن الله. وقرأ نافع وابن عامر بالكسر على إرادة القول، أو لأن النداء نوع منه. وقرأ حمزة والكسائي (يبشرك)، و(يحيى) اسم أعجمي وإن جعل عربيًا فمنع صرفه للتعريف ووزن الفعل. مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي بعيسى ﵇، سمي بذلك لأنه وجد بأمره تعالى دون أب فشابه البدعيات التي هي عالم الأمر، أو بكتاب الله، سمي كلمة كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته. وَسَيِّدًا يسود قومه ويفوقهم وكان فائقًا للناس كلهم في أنه مَا هَمَّ بمعصية قط. وَحَصُورًا مبالغًا في حبس النفس عن الشهوات والملاهي.
روي أنه مر في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت
. وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ناشئًا منهم أو كائنًا من عداد من لم يأت كبيرة ولا صغيرة.
[سورة آل عمران (٣): آية ٤٠]
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (٤٠)
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ استبعادًا من حيث العادة، أو استعظامًا أو تعجبا أو استفهامًا عن كيفية

2 / 15