Tafsir Ahmed Hateeba

Ahmad Hatiba d. Unknown
70

Tafsir Ahmed Hateeba

تفسير أحمد حطيبة

ژانرها

تفسير قوله تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد: قال الله ﷿ في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ * وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنبياء:٤٧ - ٦٤]. يخبرنا الله ﵎ في هذه الآيات عن وضع الموازين بالقسط ليوم القيامة، وكل إنسان له ميزان يوزن عليه عمله يوم القيامة، ولذلك جمعها هنا، وذكر أنها الموازين القسط، أي: الموازين العادلة، وقال: إن وضع الميزان القسط يكون في يوم القيامة. يعني: إن الموازين العادلة تكون يوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئًا، والنكرة هنا تفيد العموم، أي: إنه لا تظلم نفس من أعمالها ولو شيئًا يسيرًا، حتى وإن كان هذا الشيء مثقال حبة من خردل، والخردلة أصغر الحبوب على الإطلاق. قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء:٤٧]، أي: جئنا بها يوم القيامة، حسنة كانت أو سئية. ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء:٤٧] أي: نحسب عليكم ما تفعلونه، ونحاسبكم به يوم القيامة. وجاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي من حديث عائشة ﵂ أن رجلًا قعد بين يدي النبي صلوات الله وسلامه عليه فقال: يا رسول الله، إن لي مماليك يكذبونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ أي: إن هذا الرجل عنده مماليك فيهم الشرور، فهم يكذبون ويخونون ويعصون سيدهم، وهو يرد ذلك بأن يشتمهم ويضربهم، فهو يسأل عن أمره معهم يوم القيامة، فالرجل خائف من الحساب؛ فقال النبي ﷺ: (يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم)، يعني: يوم القيامة. قال: (فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافًا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلًا لك، وإن كان عقابك فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل). إذًا: فالإنسان الذي يملك مملوكًا ليس مصرحًا له أن يعمل فيه ما يريد، وسيحاسب يوم القيامة على ما عمل فيه، وعلى قدر ما صنع في هذا المملوك الذي يملكه. وكذلك الحيوان الذي يملكه الإنسان إذا ضربه بقسوة وشدة، فيوم القيامة يأخذ الله ﷿ هذا الإنسان، ويحاسبه على ما صنعه بالحيوان، بل إن الحيوانات يقتص الله ﷿ لبعضها من بعض، فيقتص للجلحاء من ذات القرن يوم القيامة. فلما ذكر النبي ﷺ ذلك للرجل، تنحى الرجل فجعل يبكي، فقال رسول الله ﷺ: (أما تقرءون كتاب الله؟ أما قرأت هذه الآية: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [الأنبياء:٤٧]، فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئًا خيرًا من مفارقتهم، أشهدك أنهم أحرار)، فتخلص منهم بهذه الصورة، وحررهم لله ﷿، وكان من الممكن أن يبيعهم ويأخذ ثمنهم، ولكن الرجل خاف من الموقف العظيم بين يدي الله ﷿، ولم يعلم هل الشتم والضرب أكثر أم الذي فعلوه أكثر؟ فحررهم وتخلص من أمرهم. فعلى الإنسان الذي ينظر في غده، ويخشى من حساب يوم القيامة، فيحاسب نفسه على كل عمل عمله، فيوم القيامة توضع الموازين بالقسط، فلا رشوة ولا مجاملة لأحد، ولكن إن كان العمل صالحًا نجا، وإن كان سيئًا هلك، فعلى الإنسان أن ينظر في أعماله، فإنه سيحاسب عليها يوم القيامة. وكم من إنسان يضحك ويلعب ويلهو، وينسى الموقف يوم القيامة بين يدي الله ﷿، وأنه سيسأل عن مثقال الذرة. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾ [الزلزلة:٧ - ٨]. فقد ينطق بالكلمة لا يلقي لها بالًا تهوي به في النار سبعين خريفًا؛ لأن هذه الكلمة تغضب الله ﵎. وقد ينسى الإنسان فيمزح بكلمة ويظن أنها سهلة، وهي عند الله عظيمة، وهذه السيدة عائشة تقول للنبي ﷺ: (حسبك من صفية أنها كذا، تشير بأنها قصيرة. فقال النبي ﷺ: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) يعني: أنها كلمة في غاية المهانة والقذارة، لو مزجت بماء البحر -الذي هو الطهور ماؤه الحل ميتته- لمزجته أي: لخلطت ماء البحر وأفسدته، ولو أن الإنسان اطلع على الغيب لرأى هول ما يقوله ويقع فيه من آثام وشرور، فليحاسب الإنسان نفسه على ما يقول، وعلى ما يظن، وعلى ما ينوي، وعلى ما يفعل. قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء:٤٧] أي: حفظناها يوم القيامة. ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء:٤٧] أي: وكفى بنا حاسبين على الإنسان يوم القيامة. وعندما يعترض المنافق على ربه سبحانه ويأبى ألا يشهد عليه أحد إلا من نفسه، ينطق الله ﷿ جل أعضاءه فتنطق أعضاؤه بما كان يصنع في الدنيا، فتنطق اليدان والرجلان، وتنطق جميع حواسه فإذا به يدعو على نفسه وعلى أعضائه يقول: سحقًا لكن فعنكن كنت أناضل، أي: كنت أدافع عنكن، فسحقًا لكن.

7 / 2