محمد رسول الله ليس بدعًا من الرسل
قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ [الأنبياء:٧].
أوحى الله ﷿ إلى الأنبياء قبل النبي ﷺ كما أوحى إليه، فليس هو بدعًا من الرسل، ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ﴾ [الأحقاف:٩]، فالله ﷿ أرسل محمدًا ﷺ كما أرسل الرسل من قبله، وأوحى إليه، فنزل عليه جبريل بالوحي من السماء كما أنزل الله ﷿ على الرسل السابقين الوحي من السماء.
أتباع الرسل السابقين منهم من آمنوا فانتفعوا بإيمانهم، ومنهم من كفروا فأصابهم العذاب، فهؤلاء الكفار ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف:٥٣] أي: مجيء هذا العذاب الذي وعدهم الله ﷿ به، وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم، وذكر لنا ﷾ هذا المعنى، وتكرر في مواطن القرآن، في أربعة مواطن من القرآن.
قوله: ﴿نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ [الأنبياء:٧] فيها القراءتان: ﴿نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ [الأنبياء:٧]، و﴿يوحِي إِلَيْهِمْ﴾ [الأنبياء:٧].
فالوحي من الله سبحانه ﵎ إلى أنبيائه ورسله، ما أرسل قبلكم رسولًا إلا يوحي إليه، فالأنبياء لا ينطقون عن الهوى، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٣ - ٤] أي: وحي من الله سبحانه ﵎ يوحيه إلى النبي ﷺ فينطق بالقرآن والسنة، فكله من عند الله رب العالمين سبحانه، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٤٣].
قوله: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) كذلك فيها قراءتان: قراءة الجمهور: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْر)، وقراءة ابن كثير والكسائي وخلف: (فَسلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وهذه فيها معان كلها محتملة، فكأنه يريد أن يقول: يا أيها الكفار! اسألوا أهل الذكر، أي: أهل الكتب المنزلة سابقًا، وقد كان الكفار يسألون اليهود: هل هذا الرجل على حق أم لا؟ فأكثر اليهود كذابون، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء:٥١]، ولكن أهل العلم من اليهود الذين يعرفون النبي ﷺ بصفاته كـ عبد الله بن سلام وغيره، عرفوا النبي ﷺ وعرفوا الحق، فكأن القرآن يقول لهم: اسألوا هؤلاء السابقين عن هذا الذي جاءكم في القرآن هل هو حق أم باطل؟ اسألوا من يقرأ التوراة والإنجيل، فهم أعلم بالأنبياء السابقين منكم، فتعرفون صدق ما يقوله النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وقيل: إنه أراد بأهل الذكر أهل القرآن، فيكون المعنى: اسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن.
إذًا: هذا اللفظ عام، فإذا جهلت شيئًا في هذا القرآن أو في دينك فاسأل أهل الذكر والعلم، والآيات التي في يوسف والنحل وفي سورة الأنبياء فإنها تدل على هذا المعنى.
وهنا حادثة وقعت في زمن النبي ﷺ، لما أفتى بعض الصحابة رجلًا أصابته شجة في رأسه أن يغتسل فمات منها بسبب الماء، فقال النبي ﷺ: (قتلوه قتلهم الله، هلا سألوا إذ جهلوا إنما شفاء العي السؤال) وهنا يقول لنا: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٤٣] فالإنسان الجاهل شفاؤه السؤال، فيسأل ويتعلم ويعرف ولا يفتي نفسه، ولا يستفتي جاهلًا فيضيعه كما فعل الناس بهذا الرجل المشجوج.
2 / 4