ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لاَ مَوْلى لَهُمْ [محمد: ١١] إلاَّ الطاغوت أي الشيطان.
ومعنى: لاَ رَيْبَ فِيهِ [٢] أي لا شك فيه. هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [٢] أي بيانًا للمتقين، والمتقون هم الذين تبرؤوا من دعوى الحول والقوة دون الله تعالى، رجعوا إلى اللجا والافتقار إلى حول الله وقوته في جميع أحوالهم، فأعانهم الله ورزقهم من حيث لا يحتسبون، وجعل لهم فرجًا ومخرجًا مما ابتلاهم الله به. قال سهل: حول الله وقوته فعله، وفعله بعلمه، وعلمه من صفات ذاته. وحول العبد وقوته دعواه الساعة وإلى الساعة، والساعة لا يملكها إلاَّ الله تعالى، فالمتقون الذين يؤمنون بالغيب فالله هو الغيب ودينه الغيب، فأمرهم الله ﷿ أن يؤمنوا بالغيب وأن يتبرؤوا عن الحول والقوة فيما أمروا به ونهوا عنه اعتقادًا وقولًا وفعلًا ويقولوا لا حول لنا عن معصيتك إلا بعصمتك، ولا قوة لنا على طاعتك إلاَّ بمعونتك، إشفاقًا منه عليهم، ونظرًا لهم من أن يدعوا الحول والقوة والاستطاعة كما ادعاها من سبقت له الشقاوة، فلما عاينوا العذاب تبرؤوا من ذلك، فلم ينفعهم تبرؤهم حين عاينوا العذاب، وقد أخبر الله عمن هذا وصفهم في قوله: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ [غافر: ٨٥] أي دعواهم، لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر: ٨٥] فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ [الأعراف: ٥] وكما ادعى الحول والقوة والاستطاعة فرعون وقال: متى شئت إني أؤمن، فلما آمن لم يقبل منه، قال الله تعالى: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ [يونس: ٩١] .
قوله: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [٣] قال سهل: إن الله تعالى وصف بذلك من جبله بجبلّةٍ متعلقًا بسبب من سببه غير منفك عن مراقبته، وهم الذين لم يختاروا قط اختيارًا، ولا أرادوا شيئًا دونه، ولا اختيارًا دون اختياره لهم كما اختاره لهم، ولا أرادوا شيئًا منسوبًا يغنيهم عنه، ومن غيره هم مبرؤون. قال أبو بكر: قيل لسهل: لقد آتاك الله الحكمة، فقال: قد أوتيت، إن شاء الله، الحكمة، وغيبًا علمت من غيب سره، فأغناني عن علم ما سواه. وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النجم: ٤٢] وبإتمام ما بدأني به من فضله وإحسانه.
[سورة البقرة (٢): آية ٥]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
قوله ﷿: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [٥] أي بيان من ربهم بنور هدايته القلوب مشاهدة له، وسكونًا إليه من نوره الذي أفردهم به في سابق علمه، فلا ينطقون إلاَّ بالهدى، ولا يبصرون إلاَّ إلى الهدى، فالذين به اهتدوا غير مفارق لهم، فكانوا بذلك مشاهدين لأنهم غير غائبين عنه، ولو سئلوا عنه أخبروا، ولو أرادوا لسبقت الأشياء إرادتهم، فهم المفلحون، وهم المرشدون إلى الهدى والفلاح بهدايته لهم، والباقون في الجنة مع بقاء الحق ﷿. قال سهل: ولقد بلغني أن الله تعالى أوحى إلى
1 / 26