251
{ فهزموهم بإذن الله } غلبوهم بأمر الله ، أو بنصره ، وأصل الهزم دفع الشىء بقوة حتى يدخل بعضه فى بعض ، وفى الغلبة ذلك ، لتحاطمهم فى قرارهم ، وذلك إجمال وذكر أوله ، وبعض تفصيله بقوله { وقتل داود } النبى آبن إيشى من جيش طالوت لم يبلغ الحلم ، سقيما أصغر ، يرعى غنما ، أصغر ولد إيشى ، وهم ثلاثة عشر ، حضر القتال منهم معه سبعة ، أحدهم داود ، وقيل كلهم { جالوت } جبار من العمالقة من ولد عمليق بن عاد فى بيضة ثلاثمائة رطل حديد ، وظله ميل ، وقيل طوله ، روى أن جالوت قال ، أبرزوا إلى من يقاتلنى ، فإن قتلنى فلكم ملكى وإن قتلته فلى ملككم ، أوحى الله إلى نبيهم ، أى الذى يقلته داود ، فطلبه طالوت من أبيه ، ومر إلى جالوت داود على ثلاثة أحجار ، واحد بعد واحد ، كل يقول : يا داود تقتل جالوت بى ، فحملهن ، وقيل قال له الأول ، احملنى فأنا حجر هارون ، والثانى احملنى فإنى حجر موسى ، والثالث احملنى فإنى حجرك الذى تقتل بى جالوت ، وحملهن فى مخلاته ، وصات حجرا ، ولعل الثالث هو الذى يتصل بجالوت ويخرقه ، والآخران متصلان به كعصا ، وعرض عليه طالوت سلاحا أو ألبسه سلاحا فامتنع ، فقال أقاتله بنصر بى ، فلما قابل جالوت بالحجارة والمقلاع قال : تقاتلنى كالكلب ، قال ، أنت شر منه لكفرك بربى ، فقال ، لأطعمنك الطير ، روى أنه امتنع بنو إسرائيل من مقابلة جالوت لعظم جسمه وطوله ، فنادى طالوت فى عسكره ، من قتل جالوت زوجته ابنتى وناصفته فى ملكى ، فلم يجبه أحد ، فسأل طالوت نبيهم أشمويل أو غيره على ما مر ، وهو معهم ، فدعا الله ، فأتى طالوت بقرن فيه دهن القدس ، وقيل له ، يقتله الذى إذا وضع القرن على رأسه سال الدهن حتى يدهن رأسه ، ولا يسيل على وجهه ، فجربه على بنى إسرائيل ، فلم يسل إلا على داود ، فقال ، اقتله وأزوجك بنتى وأناصفك ملكى ، وجعل الحجارة الثلاثة فى مقلاعه ، فقصد جالوت ودخل الرعب فى قلب جالوت ، وروى أنه قال باسم إله إبراهيم ، وأخرج حجرا ، وقال ، باسم إله إسحق ، وأخرج حجرا ، وقال ، باسم إله يعقوب ، وأخرج حجرا آخر ، ووضعهن فى مقلاعه ، فصرن حجرا واحدا ، فرمى به جالوت ، فحملته الريح حتى أصاب أنف البيضة فخرق دماغه وخرج من قفاه وقيل ، ، مكث فى دماغه ، وقيل أصاب صدره ، وقتل ثلاثين رجلا خلفه ، وقيل ، قال دواد : ما تفعلون بمن قتل هذا الأقلف؟ فزجره إخوته ، فأتى من الجهة الأخرى ، فقيل له ، ابنة طالوت ونصف ملكه ، فقتله داود فجره بإعانة الله مع طوله وثقله حتى ألقاه بين يدى طالوت ، فزوجه بنته وناصفه ملكه ، ومكث معه أربعين سنة واستقل بعد موته داود بالملك سبع سنين ، كما قال الله جل وعلا { وءاته } أى داود { الله الملك } فى بنى إسرائيل ، ووفى طالوت لداود بما وعد له ، وظهر شأن داود فحسده فأراد قتله وعلم به داود فسجا له زق خمر فى فراشه ، فضربه ، فسالت ، فقال رحم الله أخى داود ، ما أكثر شربه للخمر ، ووضع داود عند نومنه فى القائلة سهمين عند رأسه ورجليه وجنبيه فلما يقظ قال ، رحم الله أخى داود قدر على قتلى ولم يقتلنى وقدرت على قتله ولم أعف ، ووجده طالوت فى برية على رجليه ، فقال ، اليوم أقتله على فرسى ، فهرب ، وكان لا يدركه الفرس ودخل غارا ونسج عليه العنكبوت ، ولما بلغ طالوت الغار قال ، لو دخله لا نفسخ ، وقتل كثيرا من العلماء وغيرهم على نهيهم له عن قتل داود ، ثم ثاب وخلى الملك ، وجاهد مع بنيه العشرة حتى مات معهم كفارة فخلص الملك لداود عليه السلام { والحكمة } النبوة بعد موت أشمويل وطالوت ، ومات أشمويل قبل طالوت ، ولم يجتمع الملك والنبوة لأحد من بنى إسرائيل قبل داود ، وكان داود من سبط الملك ، وكذا اجتمعا لابنه سليمان ، وهما من أولاد يهوذا بن يعقوب ، وفيهم الملك ، وأما النبوة ففى أولاد لاوى بن يعقوب { وعلمه مما يشآء } كصنع الدروع من الحديد ، ليلين فى يديه كالطين ، وفهم صوت الطير وسائر ما له صوت من الحيوان ، وقد يعلمه صوت الريح والماء والجمادات كصرير الباب والقلم ، فإن التحقيق أن تسبيح الجمادات بلسان المقال لا بلسان الحال ، والله يخلق التمييز لمن يشاء { ولولا دفع الله الناس بعضهم } أى المشركين والفساق { ببعض } أى المؤمنين ويكون الدفاع أيضا بالفساق أو بالمشركين ، يدفعون ظلم الظالم كالسلطان الجائر وسلاطين الفرس ، ولا مشرك الآن يدفع ظلما إلا وهو يفعل من الظلم أكثر مما يدفع { لفسدت الأرض } هذا الجنس السفلى ، آدميوه وجنه ، بالشرك والظلم ، وقتل المسلمين وتخريب المساجد وتعطيل أمور الدين ، وأرضه وجباله بالقحط والوباء والمضار ، فتموت الحيوانات ويقل نفعهما ، والحرث والشجر ، وفى الآية تعظيم شأن الملك ، فيقال : الدين والملك توأمان ، وذهاب أحدهما ذهاب للآخر ، والملك حارس ، والدين أس ، وما لا أس له مهدوم ، وما لا حارس له فهو ضائع ، ولا يصح أن يقال ، ولولا دفاع الله الناس ، كافرهم وفاجرهم بطاعة البر وتقواه ، لأن الآية فى الدفع بالبعض عن البعض ، لا فى دفع نقمات الله عنهم ببعض ، ولو فسر أحمد الآية بذلك ، واستأنس له بقول ابن عمر عنه A :
صفحه ۳۰۱