أو الجعلة أو المتابعة { لكبيرة } شاقة على قلوب الناس ، وقاعدة الكوفيين فى جميع القرآن وغيره ، أن يجعلوا أن المخففة نافية لا مخففة ، واللام بعدها بمعنى إلا ، ويرده أنه لم يجىء فى كلام العرب ، ما جاء لزيد ، أى إلا زيد ، وجاء القوم لزيد ، أى إلا زيدا { إلا على الذين هدى الله } منهم ، أجاز بعضهم التفريغ فى الإثبات ، والمانع يعتبر ما فى كبيرة من معنى النفى ، أى لا تخف إلا على الذين هدى الله .
كان رسول الله A يصلى نحو بيت المقدس ، ويكثر النظر إلى السماء ، ينتظر أمر الله ، فأنزل الله تعالى ، قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام ، فقال رجال من المسلمين : ووددنا لو علمنا علم من مات منا ، قبل أن نصرف إلى القبلة ، وكيف صلواتنا إلى بيت المقدس ، فأنزل الله D { وما كان الله ليضيع إيمنكم } أى طاعتكم ، أى ثوابها ، وكل عبادة إيمان ، وفى الحديث ، الإيمان بضع وستون جزءا ، وهى أن الإيمان مؤنثة لتأنيث الخبر فى الآية ، الصلاة .
قال حيى بن أخطب وأصحابه من اليهود ، إن كانت صلاتكم إلى بيت المقدس هدى فقط تحولتم عنه ، أو ضلالة فقد دنتم بها مدة ، ومن مات قبل التحويل مات عليها كأسعد بن زرارة ، وأبى أمامة بن بنى النجار والبراء بن معرور من بنى سلمة ، وكانا من النقباء ، وآخرين ، فقال عشائرهم ، يا رسول الله ، قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فما حال من مات منا قبل الصرف؟ فنزل : وما كان الله ليضيع إيمنكم ، أى صلاتكم أو طاعتكم مطلقا ، لا يضيع صلاتكم ولا غيرها ، أو إيمانكم باستقبال بيت المقدس سواء أقلنا لها بوحى على ما رجحوا ، أو اجتهاد منه إذ وجد أهل التوراة يستقبلونها ، كما صام عاشوراء متابعة لهم ، فوطن أن يستقبلها حتى يوحتى إليه فى الاستقبال ، ومن قال ، الإيمان التصديق فقط ، وفسره بالصلاة فقد يجوز لأنه سببها وملزومها { إن الله بالناس } متعلق بما بعد اللام بحسب الظاهر فيحمل عليه ، فيقال ، لا صدر لللام فى خير إن إذا كان المتعلق ظرفا أو مجرورا ، لأن تأويل الكثير لا يحسن إلا لما لا بد منه ولا محيد عنه { لرءوف } شديد الرحمة { رحيم } الرحمة أعم من الرأفة ، ومع ذلك أخرها للفاصلة ، وهى مبنية على الميم نظير الميم فى مستقيم ، وأولى من ذلك أن نقول ، لا محذور فى تقديم خاص لا يشمل كل ما فى العام ، فلذكر العام بعده دلالة على ما لم يدل عليه الخاص ، فذكر الرحمة ليدل على رحمة أخرى دون الشديدة ، بخلاف فلان متكلم فصيح ، فإنه لو أخر متكلم لم تكن له فائدة ، فإن فلانا لا يكون فصيحا إلا وهو متكلم . ولذلك قدمت بلا فاصلة فى قوله تعالى { رأفة ورحمة } وقيل ، الرحمة تعم دفع المكروه وإزالة الضرر وسائر الأفضال ، والرأفة دفع المكروه والضرر ، ودفعهما أهم من جلب الرزف مثلا ، فقدمت لذلك على الرحمة ، فهى تخلية متقدمة على التحلية ، أو الرأفة دفع المضار ، والرحمة جلب المسار .
صفحه ۱۶۴