125
{ وإذ جعلنا البيت } الكعبة { مثابة للناس } مرجعا يثوب إليه من كان عنده أو يجيئه من لم يكن عنده ، أو يلتجىء إليه الخائف ، وإطلاق الرجوع لمن لم يكن مجاز ، فذلك جمع بين الحقيقة والمجاز ، وقد أجيزا ، وهو من عموم المجاز ، ويناسب الإطلاق أن الآتى والراجع كواحد ، لاتفاق الدين ، أو مثابة بمعنى موضع ذهاب إليه ، أو مزار ، استعمال للمقيد فى معنى المطلق ، أو هو موضع ثواب ، فلا مجاز ، وتاؤه لتأنيث البقعة ، وقيل : هى للمبالغة كما فى الوصف ، كعلامة ، لكنه لا يؤنث ، وهو اسم مكان ميمى ، أو مصدر ميمى ، أى ذا ثواب ، والأول أولى ، والأصل مثوبة بإسكان الثاء ، فتحت بفتحة الواو نقلا ، فقلبت ألفا { وأمنا } موضع أمن ، أى ذا أمن ، وقد يناسب هذا أن تجعل مثابة مصدرا ، أى ذا مثابة وأمن للناس فى حرمه ، أو أمن لحرمه ، لا يقع فيه ما يقع فى غيره من الظلم والقارة ، يلقى فيه للرجل قاتل أبيه فلا يخيفه ولا يهيجه ، ويتبع الكلب الصيد فيدخل الحرم فلا يتبعه بعد لحرمة الحرم ، وقد قال الله : { حرما آمنا } فقد تقول ، آمنا بمعنى آمن إلا أن فيه مجاز التعلق والاشتقاق ، وإذ جعلنا المصدر بعنى اسم فاعل ومجاز الإسناد ، لأن الذى يأمن هو الناس لا الحرم ، وما تقدم فيه مجاز واحد كلا مجاز ، إذ هو مجاز حذف ، ومن جنى فى الحرم حد فيه ، أو خارجا فالتجأ إليه أخرج ، أو ضيق عليه حتى يخرج فيحد ، وذلك من جملة الأمن فيه ، وذكر بعض أنه آمن للحاج من النار وكفارة لذنوبه التى بينه وبين الله يوم القيامة ، ولا يدرى فى الدنيا أقبل منه أم رد { واتخذوا } أى الناس { من مقام إبراهيم مصلى } بفتح الخاء إخبار بمعنى الأمر ، كأنهم امتثلوا الاتخاذ ، فهو يخبر بوقوعه ، والعطف عطف قصة على أخرى ، أى ، وإذ اتخذوا ، أو على جعلنا ، لأن الغرض بيان أحوال البيت ، ومنها الجعل والاتخاذ ، أو يقدر ، فثابوا واتخذوا ، ولا بأس به ، ولو كان الأصل عدم الحذف ، لاتحاد المنسدين فى المسند إليه ، ومن بمعنى إلى ، لأن المصلى يتوجه إلى الحجر الذى هو المقام ، وينوى القبلة الكعبة ، أو للابتداء ، كقولك : رايته من ذلك المكان ، أى انتهى شأنه منه إليك ، أو من للتبعيض ، أو للظرفية ، على أن المقام الحرم ، أو ما دار بالمطاف ، لا الحجر خصوصا ، والمراد على كل وجه بالمصلى هو الموضع المختار لركعتى الطواف ، ويستحب النفل والفرض فيه ، إذا لم يعطل ركعتى الطواف ، وذلك أنه اتخذ للصلاة مطلقا ، وهو أربعون ذراعا شمالا ويمينا وخلفا ، والمقام موضع القيام ، وهو ذلك الحجر ، قام عليه عند بناء الكعبة يدور به إلى جهاتها ، ويعلو به ، وعند ندائه ، أيها الناس ، حجوا بيت ربكم تطاول حتى ساوى أبا قبيس ، وعند غسل زوج إسماعيل رأسه ، أعنى رأس إبراهيم ، إذ زاره ولم يجده ، أو زار الكعبة ، والمحول له إلى موضعه اليوم هو رسول الله A كما هو مروى بسند ولو كان فهي ضعف ، لا عمر ، كما روى بسند ولو كان قويا ، ولو احتمل أنه صلى رسول الله A إليه مطلقا بالبيت ، فعلم عمر أن المراد جعله بين المصلى والكعبة أينما هو ، فأخره إلى حيث هو اليوم .
صفحه ۱۴۴