{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } الآية نزلت في درع كانت وديعة عند طعيمة بن أبيرق فجحدها، وقيل: أن طعيمة بن أبيرق سرقها ووضعها في وعاء دقيق واشترى الدقيق من مكان سرقته إلى بيته فخاصموه في أمره فمضى بالدرع إلى يهودي فأودعه فطلب عنده فحلف فدعوا اليهودي بالسرقة وشهد جماعة من اليهود أنه أودعها طعيمة وجاء قوم طعيمة يجادلون عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم بمعاقبة اليهودي فأنزل الله تعالى: { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } الآية { بما أراك الله } بما عرفك وأوحى به إليك، وعن عمر: لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن لتجتهدوا به { ولا تكن للخائنين خصيما } ولا تكن لأهل الخائنين مخاصما يعني لا تخاصم اليهودي لأجل بني ظفر واستغفر الله بما هممت به من عقاب اليهودي يختانون أنفسهم يخونوها بالمعصية كقوله:
علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم
[البقرة: 187] قال جار الله: فإن قلت: لم قيل للخائنين: ويختانون أنفسهم وكان السارق طعيمة واحدة؟ قلت: لوجهين أحدهما أن بني ظفر شهدوا له بالبراءة ونصروه وكانوا شركاء له في الإثم، والثاني أنه جمع ليتناول طعيمة وكل من خان خيانته { يستخفون من الناس } يستترون منهم حياء منهم وخوفا من ضررهم { ولا يستخفون من الله وهو معهم } وهو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليه شيء من سرهم وكفى بهذه الآية ناعتة على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم { إذ يبيتون } يزورون ويديرون وأصله أن يكون بالليل { ما لا يرضى من القول } وهو تدبير طعيمة { ها أنتم هؤلاء جادلتم } خاصمتم عن طعيمة وقومه في الدنيا فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه { أم من يكون عليهم وكيلا } حافظا من بأس الله وانتقامه { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه } قوله سوءا قبيحا متعديا يسوء به غيره كما فعل طعيمة، وقيل: من يعمل سوءا من ذنب دون الشرك أو يظلم نفسه بالشرك وهذا نعت لطعيمة على الاستغفار والتوبة، وقيل: يظلم نفسه بما يختص به كالحلف الكاذب { ومن يكسب إثما } أي يعمل ذنبا { فإنما يكسبه على نفسه } يعني وبال فعله يعود عليه { وكان الله عليما حكيما } عليما بكسبه حكيما في عقابه، وقيل: عليما بأفعال عباده حكيما بقضاءه فيهم، وقيل: عليما بالظالم والمظلوم، ومن يكسب خطيئة صغيرة { أو إثما } كبيرة، وقيل: يعمل ذنبا على عمد أو غير عمد أو إثما تعمده، وقيل: الخطيئة الشرك والإثم ما دون الشرك { ثم يرم به بريئا } ثم يضف ذنبه إلى بريء قيل: هو اليهودي طرح عليه الدرع ابن ابيرق { فقد احتمل بهتانا } أي كذبا عظيما { وإثما مبينا } أذى ظاهرا { ولولا فضل الله عليك ورحمته } أي عصمته وما أوحي إليك من الاطلاع على سرارهم { لهمت طائفة } من بني ظفران { يضلوك } عن القضاء بالحق، وقيل: هم الذين يشهدون للخائنين من بني أبيرق، والآية: نزلت في بني أبيرق، وقيل: هم من بني ظفر لما أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهدوا ببراءة صاحبهم، وقيل: نزلت في وفد من ثقيف قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن يمتعهم بالعزاء سنة فهم يحسون إلى ذلك { وما يضلون إلا أنفسهم } يعني ما يهلكون إلا أنفسهم لأن وبال ذلك يعود عليهم { وما يضرونك من شيء } لأنك إنما عملت بظاهر الحال وما كان يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك { وعلمك ما لم تكن تعلم } من حقيقات الأمور وضمائر القلوب أو من أمور الدين والشرائع.
[4.114-121]
{ لا خير في كثير من نجواهم } مما يناجي به الناس { ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله } شرط في استيجاب الأجر العظيم أن ينوي فاعل الخير عبادة الله والتقرب إليه وأن يبتغي به وجه الله خالصا لأن الأعمال بالنيات { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى } الآية نزلت في شأن طعيمة وسرقه للدرع، وروي أنه نقب بيتا يسرقه فانهدم عليه الجدار فقتله، وقيل: أنه ركب سفينة فسرق كيسا فيه دراهم فأخذ وألقي في البحر، وقيل: نزلت في نفر من قريش أسلموا ثم ارتدوا وعبدوا الأصنام { ويتبع غير سبيل المؤمنين } هو السبيل الذي عليه الدين القيم { نوله ما تولى } فجعله واليا لما تولى من الضلال بأن يخلي بينه وبين ما اختاره، وقيل: هو طعيمة لأنه ارتد { إن الله لا يغفر أن يشرك به } تكرير للتأكيد، وقيل: كرر لقصة طعيمة، وروي أنه مات مشركا، وقيل: نزلت في شيخ أتى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يا رسول الله أنا شيخ منهمك بالذنوب إلا أني لم أشرك بالله منذ آمنت، ولم أتخذ من دونه وليا، ولم أواقع المعاصي جراءة وإني لنادم تائب مستغفر لما جاءني عند الله فنزلت الآية { إن يدعون } يعني يعبدون { من دونه } الله { إلا إناثا } هي اللات والعزى ومنات، وعن الحسن لم يكن حي من العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بني فلان، وقيل: كانوا يقولون في أصنامهم هي بنات الله { وإن يدعون } وان يعبدون عبادة الأصنام { إلا شيطانا مريدا } لأنه هو الذي أغواهم على عبادتها فأطاعوه فجعلت طاعتهم له عبادة لعنه الله تعالى { وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا } مقطوعا واجبا فرضته لنفسي قال الحسن من كل ألف تسع مائة وتسع وتسعون إلى النار { ولأمنينهم } الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال ورحمة الله للمجرمين من غير توبة والخروج من النار بعد دخولها بالشفاعة { ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام } هي البحيرة كانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكر وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها { ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } قيل: هو الخصي وهو المباح في البهائم وأما في بنو آدم فمحظور عند أبي حنيفة يكره شراء الخصيان وإمساكهم واستخدامهم، وقيل: فطرة الله التي هو دين الإسلام، وعن ابن مسعود هو الوشم، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" لعن الله الواشرات والمنتمصات والمستوشمات المغيرات خلق الله "
وقيل: دين الله وهو اللواط { ومن يتخذ الشيطان وليا } أي ربا { من دون الله } فيطيعه { فقد خسر خسرانا مبينا } قيل: هلاكا بينا إذا حرم نفسه الثواب واستوجب العقاب الدائم { يعدهم } قيل: يعدهم أن يكون ناصرا لهم ممن أرادهم بسوء، وقيل: يعدهم الفقر إن أنفقوا أموالهم في أبواب البر، وقيل: يعدهم أن ينالوا الدنيا والآخرة بالمعاصي، وقيل: لا بعث ولا جزاء { ويمنيهم } الأباطيل والأكاذيب { وما يعدهم الشيطان إلا غرروا } يعني ما يعدهم إلا باطل، وقيل: وعدهم الظفر وكان للمسلمين عليهم الغلبة { أولئك مأواهم } يعني مصيرهم ومرجعهم { جهنم ولا يجدون عنها محيصا } قيل: معدلا، وقيل: مقرا وخلاصا.
[4.122-126]
{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات } الطاعات، وقيل: الصلوات الخمس { سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار } قيل: من تحت أشجارها وأبنيتها { خالدين فيها أبدا } لا تقطع حياتهم ولا تمتعهم { وعد الله حقا } يعني وعده حق لا خلف فيه لا كوعد الشيطان { ومن أصدق من الله قيلا } ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } الآية قيل: تفاخر المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم نبينا خاتم النبيين وديننا دين الإسلام، فنزلت الآية، وقيل: قالت قريش: لا نبعث ولا نحاسب، وقالت اليهود:
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
صفحه نامشخص