[11.5-11]
{ ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه } الآية نزلت في المنافقين، وقيل: في الأخنس بن شريق وكان يظهر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المحبة وهو يضمر خلاف ما يظهر، وروي أن بعض المنافقين كان إذا رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلا يراه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: هم الكفار يثنون صدورهم على عداوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: يثنون يخفون ما في صدورهم عن ابن عباس، وقيل: يعرضون بقلوبهم ليستخفوا منه ليخفوا ما فيه من الكفر والنفاق معه، قيل: من الله تعالى جهلا منهم، وقيل: من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { ألا حين يستغشون ثيابهم } ويريدون الاستخفاء كراهة لاستماع كلام الله تعالى كقول نوح:
جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم
[نوح : 7] { وما من دابة } أي ما من حيوان يدب على وجه الأرض صغيرا أو كبيرا { إلا على الله رزقها } أي قوتها وهو المتكفل بذلك { ويعلم مستقرها } على وجه الأرض { ومستودعها } حيث تموت، وقيل: مستقرها في الرحم ومستودعها في الصلب { كل في كتاب مبين } في اللوح المحفوظ، يعني ذكرها مكتوب فيه { وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام } ومتى قيل: فما الفائدة في هذه المدة مع قدرته تعالى على خلقها في لحظة واحدة؟ قالوا: لطفا للملائكة ولمن شاهده حالا بعد حال { وكان عرشه على الماء } ، روي أنه ما كان تحته خلق قبل خلق السموات والأرض وارتفاعه فوقها، وفيه دليل على أن العرش كانا مخلوقين قبل السموات والأرض، وقيل: كان الماء على متن الريح والله ممسك ذلك بقدرته، وكلما ازدادت الأجرام كانت أحوج إليه وإلى إمساكه { ليبلوكم } ليعاملكم معاملة المختبر ليظهر إحسان المحسن وإساءة المسيء على ما علمه ليكون الجزاء على الأعمال { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة } أي أجل معدود أي محدود { ليقولن } هؤلاء الكفار { ما يحبسه } أي يقولون على وجه التكذيب والاستهزاء أين ذلك العذاب وما يحبسه؟ وقيل: قالوه استعجالا { ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة } الانسان للجنس، رحمة نعمة من صحة وأمن وجدة { ثم نزعناها منه } ثم سلبناه تلك النعمة { إنه ليؤوس } شديد اليأس من أن يعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة، قاطع رجاءه من سعة فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه ولا استرجاع { ذهب السيئات عني } أي المصائب التي ساءتني { إنه لفرح } أشد بطرا { فخور } على الناس بما أذاقه الله من نعمائه قد شغله الفرح والفخر عن الشكر لله تعالى { إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات } فإن عادتهم ان نالتهم نعمة أن يشكروا وان زالت عنهم نعمة أن يصبروا { أولئك لهم مغفرة } لذنوبهم { وأجر كبير } عظيم وهو الجنة.
[11.12-16]
{ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك } الآية نزلت في أهل مكة قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن كنت رسولا فحول لنا جبال مكة ذهبا لنستغني فإنا نراك فقيرا، أو تأتينا بالملائكة لتشهد لك بالنبوة، وقيل: قالوا: ائتنا بكتاب ليس في سب آلهتنا فنزلت الآية { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك } أي لعلك أن تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردهم له وتهاونهم به { وضائق به صدرك } أن تتلوه عليهم مخافة { أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز } أي هلا أنزل عليه ما اقترحناه نحن من الكنز والملائكة { إنما أنت نذير } أي ليس عليك الا تنذرهم بما أوحي إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه، ولا عليك إن ردوا أو تهاونوا أو اقترحوا { والله على كل شيء وكيل } يحفظ ما يقولون عالم به { أم يقولون افتراه } يعني أما أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو يقولوا افتراه اختلعه من عنده { قل } يا محمد { فأتوا بعشر سور مثله مفتريات } وهذا تحدي يعني ان كان هذا كلامك فقل لهم: فاتوا بعشر سور مثله في الفصاحة والنظم والمعنى { وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } إنه كلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أي ادعوا كل من تستطيعون إلى المعاونة على المعارضة، وقيل: شركاؤكم، وقيل: من خالف محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) من جميع الأمم { فإن لم يستجيبوا لكم } ، قيل: معناه فإن لم يستجيبوا لك وللمؤمنين أن رسول الله والمؤمنين كانوا يتحدونهم وقد قال في موضع آخر { فإن لم يستجيبوا لك } ويجوز أن يكون الجمع لتعظيم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووجه آخر وهو أن يكون الخطاب للمشركين، والضمير في تستجيبوا إلى من استطعتم، يعني فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله تعالى إلى المظاهرة على معارضته لعلمهم بالعجز عنه وإن طاعتهم أقصر من أن تبلغه { فاعلموا أنما أنزل بعلم الله } أي أنزل ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله تعالى من نظم معجز للخلق { وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون } متابعون للاسلام بعد هذه الحجة القاطعة فهذا وجه حسن روى ذلك جار الله، ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه فأثبتوا على العلم الذي أنتم عليه، ومعنى فهل أنتم مسلمون قيل: أنتم مخلصون { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم } نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق، وقيل: هم أهل الرياء، وعن أنس: هم اليهود والنصارى، وقيل: هم الذين جاهدوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المنافقين، قوله تعالى: { وحبط ما صنعوا فيها } يعني لم يكن لهم ثواب لأنهم لا يريدون به الآخرة وإنما أرادوا به الدنيا وقد وفى إليهم ما أرادوه { وباطل ما كانوا يعملون } يعني لأنه لم يعمل لوجه صحيح والعمل الباطل لا ثواب له.
[11.17-26]
{ أفمن كان على بينة من ربه } أي معه حجة من الله تعالى وهو القرآن { ويتلوه شاهد } أي يتبعه من يشهد بصحة القرآن، قيل: هو جبريل (عليه السلام)، وقيل: هو شاهد من الله وهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن الحسن بن علي (عليه السلام)، وقيل: هو علي (عليه السلام) يشهد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو { منه } ذكره الحاكم قال: والصحيح أنه من كان على بينة من ربه وهو كل محق يعتقد التوحيد والعدل، والبينات هي الحجج الدالة على ذلك، ويتلوه شاهد مؤكد وهو القرآن يشهد على ذلك ومنه كناية عن الله تعالى لأنه أنزله وكذلك التوراة يشهد على ذلك { ومن قبله } أي من قبل القرآن { كتاب موسى } يعني التوراة { إماما } يؤتم به في أمور الدين { ورحمة } يعني نعمة من الله تعالى على عباده ثم نسخ، وقيل: هي شاهدة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بما فيها من البشارة { أولئك يؤمنون به } ، قيل: أصحاب موسى (عليه السلام) يؤمنون بالتوراة وما فيها، وقيل: يؤمنون بالقرآن { ومن يكفر به } ، قيل: بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: بالقرآن { فالنار موعده } ، قوله تعالى: { إنه الحق من ربك } يعني القرآن { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } يعني لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب وظلم النفس أن تحرمها ثواب الأبد وتهلكها بعذاب الأبد { أولئك يعرضون على ربهم } يقفون موقفا يراه الخلائق للمطالبة بما عملوا { ويقول الأشهاد } ، قيل: هم الملائكة الحفظة، وقيل: هم شهداء كل عصر من المؤمنين، وقيل: هم الأنبياء (عليهم السلام) { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم } يعني كذبوا الرسل هذا من كلام الأشهاد، واللعن الطرد والابعاد في اللغة وفي الشرع عقوبة من الله تعالى ثم وصفهم تعالى فقال: { الذين يصدون عن سبيل الله } الآية، قوله: { أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض } يعني هؤلاء الكفار لم يكونوا ممتنعين من العذاب ولا يمنعهم غيرهم، وقيل: سابقين، وقيل: فائتين { وما كان لهم من دون الله من أولياء } من أنصار ينصرونهم من دون الله لدفع العذاب { يضاعف لهم العذاب } أي يزاد لهم في العذاب { ما كانوا يستطعيون السمع وما كانوا يبصرون } ، قيل: يثقل عليهم سماع الأدلة والقرآن بغضا وعنادا، فلا يسمعوا ولا لهم به علم ولا بصيرة، وقيل: صم عن سماع الحق، عمي عن رؤيته { لا جرم } ، قيل: خفاء، وقيل: حقا، وقيل: لا بد ولا محالة { وأخبتوا إلى ربهم } أي واطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع { مثل الفريقين } يعني المؤمن والكافر { كالأعمى والأصم والبصير والسميع } سمي المؤمن بالسميع والبصير، والكافر بالأعمى والأصم، لأن المؤمن ينتفع والكافر لا ينتفع فصارت آلته كالمعدومة { هل يستويان } ، قيل: لا يستويان في استحقاق الثواب، وقيل: كيف يستويان.
[11.27-36]
{ فقال الملأ الذين كفروا من قومه } ، قيل: هم الأشراف والرؤساء { ما نراك إلا بشرا مثلنا } يعني قالوا لنوح أنه بشر مثلهم ظنا منهم أن الرسول يكون من جنس آخر، ولم يعلموا أن البعثة من الجنس أصلح { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا } أهل الخرق الخسيسة الذي لا مال لهم ولا جاه، وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم { بادي الرأي } أي أول الرأي أو ظاهره بمعنى اتبعك أول الرأي أو ظاهره { قال } نوح { يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها } فعيمت أي خفيت، وقيل: المراد عموا عنها، أنلزمكموها يعني الرحمة فيدخل فيه الإسلام والدين وسائر النعم، وقيل: لا ألزمكم، وقيل: كيف ألزمكم { وأنتم لها كارهون } ، وقيل: معناه على الدعاء واثبات الدلالة وليس علي أن اضطركم والجئكم { ويا قوم لا أسألكم عليه مالا } أي على الرسالة والابلاغ مالا { إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا } أي لا أبعدهم وإن كانوا من الأرذال عندكم بل أكرمهم { إنهم ملاقو ربهم } أي ملاقو جزاء ربهم { ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك } إنما أنا عبد مؤمن من المؤمنين مأمور لا أدعي ما ليس لي { ولا أقول للذين تزدري أعينكم } فلا أحكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم { لن يؤتيهم الله خيرا } في الدنيا والآخرة { قالوا يا نوح قد جادلتنا } خاصمتنا { فأكثرت جدالنا } زدت على المقدار { فأتنا بما تعدنا } من العذاب { إن كنت من الصادقين } { قال إنما يأتيكم به الله إن شاء } انه يعذبكم إن شاء عجل وإن شاء أخر { وما أنتم بمعجزين } ممتنعين ولا ينفعكم نصحي، قوله تعالى: { إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } أي يعاقبكم ويعذبكم بسوء عملكم وكفركم ويحرمكم ثوابه فليس ينفعكم نصحي عند نزول العذاب بكم ما دمتم على ما أنتم عليه إلا أن تتوبوا وهذا قول أبي علي وأبي مسلم، وقيل: معناه إن كان الله يريد أن يهلككم فليس ينفعكم نصحي عند نزول العذاب بكم وإن قبلتموه وآمنتم لأن حكم الله تعالى لا يقبل الايمان عند نزول العذاب روى ذلك الحاكم، وروي في الكشاف قال: إذا عرف الله من الكافر الاصرار خلاه وشأنه { أم يقولون } يعني الكفار { افتراه } يعني افتراء نوح الكذب فيما يقول عن ابن عباس، وقيل: يعنون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) افتراء فيما يقصه علينا من نبأ نوح وغيره يعني فعله من نفسه { قل } يا محمد { إن افتريته } من نفسي { فعلي إجرامي } أي عذاب جرمي ولا تؤاخذون { وأنا بريء مما تجرمون } أي لا أؤاخذ بجرمكم { وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } الآية أي لا تغتم بأمرهم وبفعلهم فالفرج قريب، وذلك لما أراد الله سبحانه هلاك قوم نوح (عليه السلام) أمره باتخاذ السفينة فكان يعملها في البرية فكانوا يتضاحكون ويقولون: يا نوح صرت نجارا بعد أن كنت نبيا.
صفحه نامشخص