تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون
[فصلت: 30] وفي الآخرة تلقى الملائكة إياهم مسلمين ومبشرين بالفوز والكرامة وما يرون من بياض وجوههم وأعطاهم الصحف بايمانهم.
[10.65-74]
{ ولا يحزنك قولهم } يعني المشركين في تكذيبهم، وقيل: فيما يتوعدونك من القتل والأذى فإن الله يعصمك { ان العزة لله جميعا } أي القهر والغلبة فينتقم منهم { وهو السميع العليم } { وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء } يعني ما يتبعون في ذلك علما ومعرفة ولكن قلدوا الآباء { إن يتبعون إلا الظن } يعني يتبعون الظن فيما يدينون دون الحقيقة، وهو قولهم: الأوثان آلهة فاتبعوا هذا الظن الكاذب، وقيل: ظنهم أنها تشفع لهم يوم القيامة ثم بين تعالى أنه لا حكم لهذا الظن بقوله: { وإن هم إلا يخرصون } أي يكذبون { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } يعني خلق الليل لسكونكم وراحتكم وليزول عنكم التعب { إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون } سماع تفهم وتدبر { قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني } الآية نزلت في مشركي العرب الذين قالوا الملائكة بنات الله، وفي النصارى الذين قالوا المسيح ابن الله { أتقولون على الله ما لا تعلمون } يعني أنهم قالوا ذلك بغير علم، ثم بين لهم تعالى ما أوعدهم به فقال: { قل } يا محمد { إن الذين يفترون على الله الكذب } بإضافة الولد إليه { متاع في الدنيا } أي افتراؤهم هذا منفعة قليلة في الدنيا إلى قريب انقضاء أجلهم { ثم } بعد ذلك { إلينا مرجعهم } مصيرهم { ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون } قوله تعالى: { واتل عليهم } يا محمد، أي على مشركي قريش وأهل مكة { نبأ نوح } أي خبره { إذ قال لقومه } الذين بعث إليهم { يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي } أي شق وعظم عليكم مكثي بين أظهركم { وتذكيري } أي وعظي إياكم { فأجمعوا أمركم } أي اعزموا عليه وهو تهديد { وشركاءكم } قيل: وادعوا شركاؤكم، وقيل: إجمعوا أمركم مع شركائكم { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } ، قيل: خفيا ملتبسا، وقيل: لا يكن أمركم عليكم غما وحزنا في صدروكم بأن ترددوا فيه فيكون ذلك غما في صدوركم { ثم اقضوا إلي ولا تنظرون } أي افرغوا في جميع حيلكم ثم اقصدوني، وقيل: أفيضوا ما في أنفسكم وهذا ليس بأمر وإنما هو تعجيز، وقيل: هو تهديد ووعيد { فإن توليتم فما سألتكم من أجر } على أداء الرسالة { فنجيناه ومن معه في الفلك } أي السفينة، وقيل: كانوا ثمانين نفسا وهلك أهل الأرض جميعا { وجعلناهم خلائف } أي مكان الأرض خلفا عن الهالكين { وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا } يعني قوم نوح كذبوا بالحجج { فانظر } يا محمد أو أيها السامع فتفكر { كيف كان عاقبة المنذرين } { ثم بعثنا من بعده } يعني من بعد نوح { رسلا إلى قومهم } يعني هودا وصالحا وإبراهيم وشعيبا { فجاؤوهم بالبينات } يعني بالحجج الواضحة { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل } يريد أنهم كانوا قبل بعثة الرسل أهل جاهلية مكذبين بالحق فما وقع فصل بين حالتيهم بعد بعثة الرسل وقبلها كأن لم يبعث إليهم أحد { كذلك نطبع على قلوب المعتدين } قيل: المجاوزين للحد في العصيان، وقيل: المجاوزين في الحلال والحرام.
[10.75-86]
{ ثم بعثنا من بعدهم } أي من بعد الرسل، وقيل: بعد الأمم { موسى وهارون إلى فرعون وملئه } ، قيل: أشراف قومه { بآياتنا } يعني الآيات التسع { فاستكبروا } عنه أي طلبوا الكبر فتكبروا عن قبول الحق، قوله تعالى: { وكانوا قوما مجرمين } عاصين { فلما جاءهم الحق من عندنا } يعني ما أتى به موسى من الآيات { قالوا ان هذا لسحر مبين } أي أمر مموه لا أصل له { قال موسى } لهم { أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا } يعني كيف تقولون للمعجزات أنها سحر باطل وللعجر حق { قالوا } يعني فرعون وقومه لموسى { أجئتنا لتلفتنا } لتصرفنا { عما وجدنا عليه آباءنا } من الدين { وتكون لكما الكبرياء } ، قيل: الملك، وقيل: السلطان { في الأرض } يعني أرض مصر { وما نحن لكما بمؤمنين } بمصدقين، ثم بين تعالى ما جرى بين موسى وبين فرعون من الجدال فقال سبحانه: { وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم } في سحره { فلما جاء السحرة } في الكلام حذف يدل عليه الظاهر تقديره فلما أتى السحرة بالحبال والعصي { قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون } ، قيل: اطرحوا { ما جئتم به السحر إن الله سيبطله } أي سميحقه أو يظهر بطلانه بإظهار المعجزة { إلا ذرية من قومه } أي إلا طائفة من ذراري بني إسرائيل وهذا في أول أمره { على خوف من فرعون وملئهم } أي أشراف بني إسرائيل { أن يفتنهم } عن دينهم { وإن فرعون لعال في الأرض } غالب فيها قاهر { وإنه لمن المسرفين } في الظلم والفساد وفي الكبر والعتو { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله } صدقتم به وبآياته { فعليه توكلوا } فإليه أسندوا أمركم في العصمة من فرعون، ثم شرط في التوكل الاسلام وهو أن يسلموا نفوسهم لله تعالى أي يجعلونها سالمة له خالصة لا حظ للشيطان فيها { فقالوا على الله توكلنا } وإنما قالوا ذلك لأن القوم كانوا مخلصين لا جرم أن الله قبل توكلهم وأجاب دعاءهم ونجاهم وأهلك من كانوا يخافونه وجعلهم خلفا في أرضه.
[10.87-92]
قوله تعالى: { وأوحينا إلى موسى وأخيه } أمرناهما { أن تبوءا } اتخذا { لقومكما بمصر بيوتا } هي مصر المعروفة بيوتا تسكنونها وتأوون إليها { واجعلوا بيوتكم قبلة } أي مصلى، وقيل: كانوا خائفين فأمروا أن يصلوا في بيوتهم عن ابن عباس ومجاهد، وإبراهيم والسدي، وأبي علي واختلفوا في القبلة، فقيل: أراد الكعبة، وقيل: بيت المقدس { وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه } يعني أشرافهم وكبراءهم { زينة } من متاع الدنيا { وأموالا في الحياة الدنيا } يعني بسطت ذلك لهم في الدنيا { ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم } دعا عليهم يعني اطمس على أموالهم أهلكها واشدد على قلوبهم قيل: أمتهم بعد سلب أموالهم، وقيل: الشد على القلب عبارة عن الخذلان { قال قد أجيبت دعوتكما } يعني موسى وهارون (عليهما السلام) { فاستقيما } ، قيل: على الطاعة وأراد الرسالة والدعاء إلى الدين، وروي أن موسى (عليه السلام) مكث بعد الدعاء أربعين سنة ثم أهلك الله تعالى فرعون وقومه، وقيل: بل أخذ في الحال { ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } أي لا تتبعان سبيل الجهلة بعبادة غير الله ولا تعجلا فإن العجلة ليست بمصلحة وهذا كما قال لنوح (عليه السلام) إني أعظك أن تكون من الجاهلين { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر } أي قطعنا بهم، ثم بين تعالى ما آل إليه من فرعون وقومه، فقال تعالى: { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر } وذلك أن الله تعالى لما أجاب موسى أمره بإخراج بني إسرائيل من مصر ليلا فخرج { فأتبعهم فرعون وجنوده } مشرقين حتى أتوا على البحر وأمر الله موسى أن يضرب البحر بعصاه فانفلق فصار فيه اثني عشر طريقا يابسة، وارتفع بين كل طريقين الماء كالجبل، وصار في الماء شبه الحروق ينظر بعضهم إلى بعض حتى جاوز موسى وهارون وبني إسرائيل، وانتهى فرعون إلى البحر فرآه بتلك الهيئة ساكنا فهاب دخوله وكان على حصان أدهن فتقدمه جبريل (عليه السلام) على رمكه فخاض البحر، وميكائيل يسوقهم، فاقتحم واقتحمت الخيول فانطبق الماء عليهم وغرقوا، فقال بعضهم: لم يغرق فرعون فقذفه البحر ميتا حتى رآه بني إسرائيل. { قال آمنت أنه لا إله إلا الذين آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } { الآن } ، قيل: فيه إضمار، أي قيل له: الآن آمنت حين لا يقبل الايمان لأنه حال الالجاء وكنت قبل كافرا مفسدا، واختلفوا في قائل هذا والمخاطب به فقيل: ملك الموت بأمر الله عز وجل، وقيل: جبريل { فاليوم ننجيك ببدنك } ، قيل: نبعدك عن جميع ملكك، وقيل: نلقيك على نجوة من الأرض، قال كعب الأحبار رماه الماء إلى الساحل كأنه ثورا ونبديك كاملا سويا أو عريانا أو بدرعك، وروي أنه كان له درع من ذهب { لتكون لمن خلفك } أي من ورائك { آية } علامة وهم بنو إسرائيل.
[10.93-101]
قوله تعالى: { ولقد بوأنا بني إسرائيل } أي مكنا، وقيل: هيأنا لهم منازل يرجعون إليها، وقوله تعالى: { مبوأ صدق } منزلا صالحا وهو مصر والشام { ورزقناهم من الطيبات } الحلال وهو مواريث أهل مصر والشام فإنهم أخرجوا وتركوا أموالهم وديارهم فأغرقوا { فما اختلفوا } يعني بني إسرائيل وهم اليهود الذين كانوا زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا على الاقرار بالنبي قبل مبعثه { فإن كنت في شك } ، قيل: الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: لغيره، فمن قال أن الخطاب لغيره فالمعنى فإن كنت أيها الإنسان أو أيها السامع { مما أنزلنا إليك } يعني القرآن والشرائع { فاسأل الذين يقرؤون الكتاب } يعني سل مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وابن صوريا وتميم الداري وكعب الأحبار فإنهم يخبرونك بما في كتابك { فلا تكونن من الممترين } الشاكين { ولا تكونن } أيها السامع { من الذين كذبوا بآيات الله } ، قوله تعالى: { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون } ، قيل: كلامه إخباره أنهم لا يؤمنون، وقيل: وعيده إنهم يصيرون إلى العذاب، وقيل: سخطه عليهم { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها الا قوم يونس } استثنى من القرى وهو استثناء منقطع بمعنى ولكن قوم يونس { لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا } روي أن يونس (عليه السلام) بعث الى قومه فكذبوه فذهب عنهم مغاضبا فلما فقدوه خافوا نزول العذاب فلبسوا المسوح وعجوا أربعين ليلة، وقيل: قال لهم يونس: ان أجلكم أربعين ليلة، فقالوا: إن رأينا أسباب العذاب آمنا بك، فلما مضت خمس وثلاثون ليلة أغامت السماء غيما أسودا هائلا يدخن دخانا شديدا، ثم هبط حتى تغشى مدينتهم وسود سطوحهم، فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم، وفرقوا بين النساء والصبيان، وبين الدواب وأولادها، فحن بعضها إلى بعض وأظهروا الايمان والتوبة وتضرعوا إلى الله فرحمهم وكشف عنهم كان يوم الجمعة يوم عاشوراء وعلت الأصوات والعجيج، وعن ابن مسعود: بلغ من توبتهم أن ردوا المظالم حتى أن الرجل يقلع الحجر وقد وضع عليها أساس فيرده، وروي أنه لما أتاهم مقدمة العذاب خرجوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا: قد نزل بنا ما ترى من العذاب فقال لهم قولوا: يا حي حين لا حي، ويا محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت، فقالوا ذلك فكشف الله عنهم وكان يوم الجمعة يوم عاشوراء { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا } قال ابن عباس: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حريصا على إيمان جميع الناس فأنزل الله هذه الآية يعني ولو شاء ربك لأكرههم ولو أكرههم لما يستحقوا عليه ثوابا { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } يعني بعلمه { ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } ذما لهم، قيل: الرجس العذاب، وقيل: الغضب { قل } يا محمد لمن سألك الآيات { انظروا } أي تفكروا { ماذا في السموات والأرض } من العبر والدلائل من اختلاف الليل والنهار والنجوم والأفلاك وما خلق الله من الجبال والبحار، وما أنبت الله من الأشجار والثمار وما أخرج من الحيوانات، وما ينزل من السماء من أنواع المطر ورتق السماء بلا عمد وغير ذلك من آيات الله الباهرة.
صفحه نامشخص