[8.40-46]
{ واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه } عند الشافعي: سهم الله تعالى يقسم على خمسة أسهم للرسول يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين، وسهم ذوي القربى من أغنيائهم وفقرائهم يقسم عليهم للذكر مثل حظ الانثيين، والباقي للفرق الثلاث، وعن علي (عليه السلام) أنه قيل له أن الله تعالى قال: واليتامى والمساكين فقال: هم يتامانا ومساكيننا، وعن الحسن: سهم رسول الله لأولي الأمر من بعده، وقيل: الآية نزلت ببدر، وقيل: كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام، قال في الثعلبي: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس: فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس خمس للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخمس لذوي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل، فسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمس الخمس، قوله تعالى: { إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } يوم فرق فيه بين الحق والباطل { يوم التقى الجمعان } يوم بدر، والجمعان الفريقان من المسلمين والكفار، والمراد ما أنزل عليه من الآيات والملائكة والفتح يومئذ { إذ أنتم بالعدوة الدنيا } مما يلي المدينة { وهم بالعدوة القصوى } مما يلي مكة { والركب أسفل منكم } يعني الركب الأربعين الذين كانوا يقودون العير أسفل منكم بالساحل، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأعلى الوادي والمشركون بأسفله، والعير قد انحاز بها أبو سفيان على الساحل، وفي العدوة قرابات كسر العين وهي قراءة أهل مكة ورفقها { ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد } لقلتكم وكثرة عدوكم { ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا } من إعزاز دينه وإعلاء كلمته حين وعد المسلمين إحدى الطائفتين منهم غير مبينة حتى خرجوا ليأخذوا العير { ليهلك من هلك عن بينة } بما رآه يوم بدر، وقيل: قول لا إله إلا الله، وقيل: أراد بالهلاك فعل ذلك معجزة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصرة لأوليائه عن بينة عن حجة أي بعد إقامة الحجة { ويحيى من حي عن بينة } بما أراه يوم بدر، وقيل: قول لا إله إلا الله، وقيل: بالهلاك بالضلال، وبالحياة حياة الدين { إذ يريكهم الله } يعني المشركين { في منامك } يا محمد، يعني نومك، وقيل: في موضع نومك وهو العين، وذلك أن الله تعالى أراهم إياه في منامه قليلا، فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه، وقالوا: رؤيا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حق، فكان نعمة من الله شدد بها قلوبهم { ولو أراكهم كثيرا لفشلتم } يعني لجبنتم عن قتالهم { ولتنازعتم } اختلفتم في محاربتهم { ولكن الله سلم } أي عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع { إنه عليم بذات الصدور وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا } وإنما قللتم في أعينهم تصديقا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلا فقلنا له: كم كنتم؟ قال: ألفا { ويقللكم } يا معشر المؤمنين { في أعينهم } حتى قال قائلهم: إنما هم أكلة جذور وإنما قللهم في أعين الكفار لئلا يستعدوا لهم ولا يحذروهم كل الحذر { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } من الانتقام من أعدائه على تلك الصفة والانعام على أوليائه { يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة } أي حاربتم جماعة { فاثبتوا } لقتالهم ولا تفروا { واذكروا الله كثيرا } في مواطن الحرب مستظهرين بذكره مستبصرين به داعين على عدوكم اللهم اخذلهم اللهم اقطع دابرهم { لعلكم تفلحون } بالنصر والظفر { وأطيعوا الله } فيما أمركم به { ولا تنازعوا فتفشلوا } يعني أن اختلافكم يؤدي إلى الفشل وهو الجبن والضعف { وتذهب ريحكم } يعني دولتكم ونصركم.
[8.47-53]
{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا } وهم أهل مكة حين نفروا لحماية العير، وأتاهم رسول أبو سفيان بالجحفة أن ارجعوا فقد سلمت عيركم، فأتى أبو جهل وقال: حتى نقدم بدر ونشرب فيها الخمور، وننحر الجزور، ونطعم الطعام من حضرنا من العرب، وتعزف علينا القينات، فذلك بطرهم { ورئاء الناس } وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع اليه لهم به سوق كل عام، فيقيموا ثلاثة أيام فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمور، وناحت عليهم النوائح مكان القينات { ويصدون عن سبيل الله } عطف على قوله: بطرا { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم } التي فعلوها في معاداة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { وقال لا غالب لكم اليوم من الناس } ، قيل: زين لهم بذلك بوسوسته، وقيل: ظهر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني وكان من أشراف كنانة وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني مجيركم من بني كنانة، قال في الثعلبي: وذلك أن قريشا لما اجتمعت للمسير ذكرت الذي بينها وبين كنانة فجاء ابليس في جند من الشياطين معه راية في صورة سراقة { فلما تراءت الفئتان } التقى الجمعان ورأى إبليس الملائكة ينزلون من السماء وعلم أنه لا طاقة لهم به { نكص على عقبيه } يعني ولى مدبرا، وقيل: كانت يده في يد الحرث بن هشام، فلما نكص قال له الحرث: إلى أين أتخذلنا في هذه الحال؟ فقال: { اني أرى ما لا ترون } ودفع في صدر الحرث وانطلق وانهزموا، فلما بلغوا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم، فقالوا: هو الشيطان، فقال الشيطان: { إني أخاف الله } فقال له الحرث: هلا كان هذا أمس { والله شديد العقاب } ، قال بعضهم: هذه حكاية عن ابليس، وقال آخرون: انقضى الكلام عند قوله إني أخاف الله، ثم قال الله: { والله شديد العقاب } { والذين في قلوبهم } مرض يعني شك ونفاق غر هؤلاء دينهم الآية، نزلت في الذين نافقوا في المدينة، وقيل: في قوم من قريش، وقيل: هم قوم كانوا بمكة مستضعفين فلما خرجت قريش إلى بدر أخرجوهم كرها، فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتدوا وقالوا: { غر هؤلاء دينهم } ثم قال جوابا لهم: { ومن يتوكل على الله } أي يفوض أمره إلى الله تعالى { فإن الله عزيز حكيم ولو ترى } تعاين يا محمد { إذ يتوفى } الملائكة يعني يقبضون أرواحهم عند الموت، قيل: بيوم بدر، وقيل: هم هؤلاء المنافقون الذين قالوا { غر هؤلاء دينهم } ، وقيل: جميع الكفار { يضربون وجوههم } ما أقبل منهم { وأدبارهم } ما أدبر وتقديره ويضربون وجوههم بالسيوف، وإذا ولوا أدركتهم الملائكة فيضربون أدبارهم { وذوقوا } فيه إضمار ومعناه وتقول الملائكة ذوقوا { عذاب الحريق } { ذلك بما قدمت أيديكم } كسبت وعملت { وأن الله ليس بظلام للعبيد } لا يأخذهم من غير جرم { كدأب آل فرعون } الآية نزلت في أهل مكة لما أخرجوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قتلوا يوم بدر، كدأب آل فرعون أي كعادة آل فرعون أي قومه وأتباعه، وقيل : كعادة الله تعالى في آل فرعون وسائر الكفار أن يهلكهم الله تعالى إذ كذبوا، قوله: { فأخذهم الله بذنوبهم } أي فعاقبهم { ذلك } يعني ما فعلناه بالمشركين من العقوبة إنما فعلناه لكفرهم ولاء غيروا ما أنعم الله عليهم { بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } ، وقيل: أراد به هل مكة بعث الله إليهم محمدا فغيروا نعمة الله وتغييرها كفرها وترك شكرها.
[8.54-61]
قوله تعالى: { كدأب آل فرعون } أي كعادتهم وطريقتهم في التغيير والتكذيب { والذين من قبلهم } من كفار الأمم المتقدمة { فأهلكناهم بذنوبهم } بعضا بالرجفة وبعضا بالخسف وبعضا بالمسخ وبعضا بالريح وبعضا بالماء، وكذلك أهلكنا كفار بدر بالسيف { الذين عاهدت منهم } الآية نزلت في بني قريظة نقضوا عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعانوا أهل مكة بالسلاح فعاهدوا الثانية فنقضوا وأعانوا المشركين يوم الخندق وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم على مخالفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل: نزلت في مشركي العرب { وهم لا يتقون } أي لا يخافون الله في نقض العهود { فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم } يعني ان ظفرت بهم فشرد بهم من خلفهم نكل بهم تنكيلا من ورائهم، وقيل: أهل مكة واليمن { لعلهم يذكرون } فافعلوا ذلك رجاء منكم أن يتذكروا أي يعتبر بها أمثالهم { واما تخافن } يا محمد { من قوم خيانة } يعني من قوم بينك وبينهم عهود خيانة نقض عهد مما يظهر لك منهم كما ظهر لك من بني قريظة وبني النضير { فانبذ اليهم } أي اطرح اليهم عهدهم { على سواء } وهذا من نصيحات القرآن، ومعناه فأخبرهم وأعلمهم قبل حربك إياهم إنك فسخت العهد بينك وبينهم، قال جار الله: على سواء أي على طريق مستو قصد { ان الله لا يحب الخائنين } { ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا انهم لا يعجزون } قيل: الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد غيره الذين كفروا قيل: هو عام لجميع الكفار، وقيل: هم الذين قادوا يوم بدر، سبقوا يعني فاتوا، تم الكلام، ثم استأنف الكلام فقال: انهم لا يعجزون الله تعالى في الدارين، وقيل: لا يعجزونك وإن فاتوا يوم بدر فستدركهم في غيره، وقيل: لا يفوتون { واعدوا لهم ما استطعتم من قوة } يعني من الآلات التي تكون لهم قوة عليهم من الخيل والسلاح، وقيل: الرمي { ومن رباط الخيل }: الأثاث { ترهبون } تخوفون { به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم } ، قيل: هم أهل فارس، وقيل: المنافقون، وقيل: بني قريظة، وقيل: كفرة الجن، وروي في الخبر أن الشيطان لا يقرب صاحب فرسا ولا دارا فيها فرس، وروي أن صهيل الخيل ترهب الجن { وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف اليكم } يدخر لكم ويوفر جزاؤه { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } ، قيل: الصلح، وترك الحرب، وقيل: الى الإسلام، والآية منسوخة بقول اقتلوا المشركين، وقوله:
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
[التوبة: 29] وكان ذلك قبل نزول براءة، وقيل: الأمر موقوف على ما يراه الإمام من صلاح الإسلام وهو الصحيح.
[8.62-68]
{ وان يريدوا أن يخدعوك } ، قيل: بنو قريظة، وقيل: سائر الكفار { فإن حسبك الله } أي كافيك كما أيدك بالملائكة والمؤمنين { وألف بين قلوبهم } ، قيل: نزلت في الأوس والخزرج كان القتال بينهم مائة وعشرين سنة حتى جاء الإسلام فصاروا إخوانا بعدما كانوا أعداء { يأيها النبي حسبك الله } الآية والمعنى كافيك الله { ومن اتبعك من المؤمنين } ، وقيل: الآية نزلت في ثلاثة وثلاثين رجلا وست نسوة { يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال } أي حثهم على محاربة المشركين { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } من عدوهم { وإن يكن منكم مائة } صابرة { يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون } ، قيل: أن ذلك كان واجبا عليهم وكان عليهم ألا يفروا ويثبت الواحد للعشرة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث حمزة في ثلاثين راكبا فتلقى أبا جهل في ثلاثمائة راكب، فنسخ ذلك وخفف الله عنهم بعد مدة طويلة بمقاومة الواحد للاثنين، وأنزل الله تعالى: { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } ، أي في الواحد عن قتال العشرة والمائة عن قتال الألف { فإن يكن منكم مائة صابرة } ثابتة في القتال محتسبة تثبت عند لقاء العدو { يغلبوا مائتين } من الكفار { وإن يكن منكم } أيها المسلمون { ألف يغلبوا ألفين بإذن الله } بأمره ونصره وهذا خبر، والمراد الأمر من الله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } الآية نزلت في أسارى بدر وكانوا سبعين رجلا فيهم العباس وعقيل بن أبي طالب وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استشار الصحابة فأشار علي (عليه السلام) وعمر بالقتل وأشار أبو بكر وعثمان بالفداء، وروي أن سعد بن معاذ (رضي الله عنه) أشار بالقتل وفدى العباس نفسه بأربعين أوقية، والاثخان القتل، وقيل: الاثخان الغلبة للبلدان وأهلها يعني يتمكن في الأرض { تريدون عرض الدنيا } حطامها بأخذكم الفداء { والله يريد } ثواب { الآخرة } بقهركم المشركين ونصركم دين الله تعالى { والله عزيز حكيم } { لولا كتاب من الله سبق } يعني لولا حكم من الله سبق لاثباته في اللوح المحفوظ وهو أنه لا يعاقب أحدا بخطأ، وكان هذا خطأ في الاجتهاد لأنهم نظروا أن في استفدائهم ربما كان سببا في إسلامهم وتوبتهم، وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله وخفي عليهم أن قتلهم أعز للإسلام، وقيل: كناية أن سيحل لهم الفدية الذي أخذوها، وقيل: هو أن أهل بدر مغفور لهم، وقيل: أنه لا يعذب أحدا إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهي ولم يتقدم نهي عن ذلك { لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
صفحه نامشخص