[العنكبوت: 48]، وقيل: منسوب إلى أم القرى أي مكة { الذي يجدونه } أي صفته ونبوته ونعته { مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل } وعن عمر بن الخطاب: سألت ابن مالك عن صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان من علماء اليهود فقال: صفته التي لم تبدل ولم تحول أحمد من ولد اسماعيل بن ابراهيم، وهو آخر الأنبياء، وهو النبي العربي الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، ليس بالقصير ولا بالطويل، يلبس الشملة، ويمشي في الأسواق، ومعه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان، ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح، ولو كانت في ثمود ما أهلكوا بالصيحة، مولده بمكة ومنشأه ونبوته ودار هجرته بيثرب وهو أمي لا يكتب بيده، سلطانه بالشام، صاحبه من الملائكة جبريل، وعن كعب في صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مولده بمكة وهجرته بيثرب وملكه بالشام وأمته الحامدون يحمدون الله على كل حال يصلون الصلاة حيث أدركتهم، روي ذلك في الثعلبي { يأمرهم بالمعروف } بالشريعة والسنة { وينهاهم عن المنكر } قيل: هو الكفر والمعاصي { ويحل لهم الطيبات } هو ما حرم عليهم من الأشياء الطيبة من الشحوم وغيرها، وما طاب في الشريعة، والحكم مما ذكر اسم الله عليه عند الذبح { ويحرم عليها الخبائث } كل ما يستخبث نحو الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وما خبث في الحكم كالربا والرشوة وغيرها من الخبيثة { ويضع عنهم إصرهم } الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه، وقيل: هو العهد بأن يعملوا في التوراة، وقيل: التشديد الذي كان عليهم في الدين ونحو ذلك من الأفعال الشديدة كقتل النفس وتحريم السيب وتحريم العروق { والأغلال التي كانت عليهم } في شريعتهم الشاقة نحو قطع الأعضاء الخاطئة، وقرض موضع النجاسة من الجلد، والقضاء بالقصاص عمدا كان أو خطأ من شرع الدية { فالذين آمنوا به } يعني الذين آمنوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به كعبد الله بن سلام وغيرهم من أهل الكتاب { وعزروه } أي عانوه ووقروه { ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه } يعني القرآن { قل يأيها الناس إني رسول الله اليكم جميعا } ، قيل: بعث كل رسول إلى قومه خاصة وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى كافة الجن والإنس { النبي الأمي } ، قيل: الذي لا يكتب ولا يقرأ، وقيل: منسوب إلى أم القرى، وهي مكة كأنه قيل: النبي المكي { الذي يؤمن بالله وكلماته } آياته { واتبعوه لعلكم تهتدون }.
[7.159-164]
{ ومن قوم موسى أمة } هم المؤمنون التائبون من بني إسرائيل { يهدون } الناس بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة ويرشدونهم { وبه } وبالحق { يعدلون } بينهم في الحكم، وقيل: ان بني اسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطا تبرأ سبط منهم واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبين إخوانهم، ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين، وهم هناك حنفاء مسلمون، وذكر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ذهب به جبريل (عليه السلام) ليلة الإسراء نحوهم فكلمهم، فقال لهم جبريل: هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا: لا، قال: هذا محمد النبي الأمي، فآمنوا به، قالوا: يا رسول الله إن موسى أوصانا من أدرك منكم محمد فليقرأ عليه مني السلام، فرد محمد على موسى السلام ثم أقرأهم (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر سور من القرآن وأمرهم أن يقيموا مكانهم وأن يجمعوا ويتركوا السبت، رواه جار الله { وقطعناهم } أي صيرناهم قطعا، أي فرقا { اثنتي عشرة أسباطا أمما } يعني اثني عشر قبيلة من اثني عشر ولدا من ولد يعقوب، أمما لأن كل سبط كان أمة عظيمة قوله تعالى: { وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر } ، قيل: كان له أربعة أوجه لكل وجه ثلاث أعين { فانبجست } أي فانفجرت وهو الانفتاح { قد علم كل أناس } أي كل سبط { مشربهم وظللنا عليهم الغمام } في التيه يقيهم حر الشمس { وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية } ، قيل: هي بيت المقدس { وكلوا منها } أي من نعيمها { حيث شئتم } أي أنى شئتم { وقولوا حطة } أي حط عنا ذنوبنا { وادخلوا الباب سجدا } ، قيل: ساجدين، وقيل: خاضعين { فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم } أي غيروه، فقالوا: حنطة، وقيل: قالوا: حنطة في شعيرة { فأرسلنا عليهم رجزا } أي عذابا { من السماء بما كانوا يظلمون } ، قوله تعالى: { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } ، قيل: سؤال توبيخ على ما كان منهم من الخطيئة، وقيل: سؤال تقرير عليهم، وقيل: سؤال تقريع، والقرية قيل: آيلة، وقيل: الطبرية، وحاضرة البحر أي تقرب من البحر { إذ يعدون في السبت }: أي يتجاوزون أمر الله تعالى يوم السبت، وكانوا نهوا عن صيد الحوت يوم السبت، وحرم عليهم صيدها فيه، فاصطادوا يوم السبت، وقيل: احتالوا بحبس الصيد يوم السبت وأخذوا يوم الأحد { إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا } أي متتابعة، وقيل: من كل مكان { كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } أي نختبرهم، وعن الحسن بن الفضل: هل تجد في كتاب الله الحلال لا يأتيك إلا قوما والحرام يأتيك جرافا؟ قال: نعم في قصة داوود وآيلة { تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا } الآية، وعن ابن عباس: كان إذا قرأها يبكي رواه الثعلبي، وروي فيه أيضا: أن اليهود في زمان داوود (عليه السلام) حرم عليهم صيد الحيتان في يوم السبت، وذلك أن اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم فيه يوم الجمعة فتركوه واختاروا يوم السبت فابتلوا فيه، وحرم عليهم فيه الصيد وأمروا بتعظيمه وكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت على ما ذكر الله تعالى، وروي أنه إذا كان يوم السبت لا يرى الماء من كثرتها، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، روي أن الشيطان وسوس إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فتبقى فيها ولا يمكنها الخروج منها لقلة الماء فيأخذونها يوم الأحد { وإذ قالت أمة } جماعة من أهل القرية من صلحائهم { لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم } وإنما قالوا ذلك لعلمهم أن الوعظ لا ينفع فيهم { قالوا معذرة إلى ربكم } أي موعظتنا إبلاء عذر إلى الله تعالى { ولعلهم يتقون } يعني ولطمعنا في أن يتقوا.
[7.165-169]
{ فلما نسوا } يعني أهل القرية تركوا ما ذكرهم به الصالحون { أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس } ، قيل: كان أهل القرية سبعين ألفا فصاروا أثلاثا: ثلث نهوا وكانوا نحو من اثني عشر ألفا، وثلث قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم الخ، وثلث هم أصحاب الخطيئة، فلما لم ينتهوا قال المسلمون: انا لا نساكنكم، فقسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب، فلعنهم داوود (عليه السلام) فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد، فقالوا: ان للناس شأنا، فعلوا الجدار فنظروا فإذا هم قردة، ففتحوا الباب فدخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابها من الإنس، والإنس لم يعرفون أنسابهم من القردة، وجعل القرد يأتي نسبه فيشم ثيابه ويبكي فيقول له: ألم أنهك؟ فيقول برأسه: بلى، وقيل: صارت الشباب قردة والشيوخ خنازير { فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } أي صاغرين، وقيل: الخاسئ الذي لا يتكلم، وقيل: مطرودين مبعدين، قيل: مكثوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا، وقيل: عاشوا سبعة أيام ثم ماتوا، وقيل: عاشوا وتوالدوا عن الحسن والصحيح الأول، قوله تعالى: { وإذ تأذن ربك } ، قيل: اعلم، وقيل: أمر { ليبعثن } والمعنى وإذ حتم ربك وكتب على نفسه { ليبعثن عليهم } أي على اليهود { من يسومهم سوء العذاب } وكانوا يؤدون الجزية الى المجوس إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فضربها عليهم فهي لا تزال مضروبة عليهم إلى آخر الدهر، والآية تدل على أنهم لا يكون لهم دولة ولا عز { وقطعناهم في الأرض } يعني بني إسرائيل فرقناهم فشتت أمرهم وذهب عزهم عقوبة لهم { منهم الصالحون } الذين آمنوا بالمدينة والذين وراء الصين { ومنهم } ناس { دون ذلك } الوصف وهم الكفرة والفسقة { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } النعم والنقم { لعلهم يرجعون } فينتهون ويتسننون لهم { فخلف من بعدهم خلف } وهم الذين كانوا في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { ورثوا الكتاب } وهو التوراة يقفون على ما فيها من الأوامر والنواهي والتحليل والتحريم وهم لا يعملون بها { يأخذون عرض هذا الأدنى } أي حطام هذا الشيء الأدنى، والمراد الدنيا وما يمتع به منها، يريد بما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام وعلى تحريف الكلام للتسهيل على العامة { ويقولون سيغفر لنا } لا يؤاخذنا الله بما أخذنا، وروي أنهم قالوا ما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل تمنيا على الله الأباطيل { وأن يأتهم عرض مثله يأخذوه } ، قيل: وان عرض لهم ذنب آخر عملوا به، وقال مجاهد: ما أشرف لهم في اليوم من شيء من الدنيا من حلال أو حرام أخذوه، وقيل: معناه وان يأت يهود يثرب الذين كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غرض مثله يأخذوه { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب } يعني قوله في التوراة: من ارتكب ذنبا عظيما فإنه لا يغفر له إلا بالتوبة { ودرسوا ما فيه } يعني ما في الكتاب من اشتراط التوبة في غفران الذنوب، والذي عليه المحبرة هو مذهب اليهود بعينه.
[7.170-174]
قوله تعالى: { والذين يمسكون بالكتاب } وهو العمل بما فيه والآية نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: في اليهود الذين لا يحرفونه ولا يكتمونه مثل عبد الله بن سلام وأصحابه، يعني الكتاب الذي جاء به موسى لا يحرفونه ولا يكتمونه، وأحلوا حلاله وحرموا حرامه { وأقاموا الصلاة انا لا نضيع أجر المصلحين } ، قوله تعالى: { وإذ نتقنا الجبل فوقهم } أي قلعناه ورفعناه كقوله { ورفعنا فوقهم الطور } { كأنه ظلة } الظلة كل ما أظلك من سفينة أو سحاب { وظنوا أنه واقع بهم } أي ساقط عليهم وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها فرفع الله الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم، وكان فرسخا في فرسخ، وقيل لهم: اقبلوها بما فيها وإلا ليقعن عليكم، فلما رأوا الجبل خر كل رجل منهم ساجدا على حاجبه الأيسر، ويقولون: إنها السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة { خذوا ما آتيناكم } من الكتاب { بقوة } وعزم على احتمال الأوامر والنواهي لا تنسوه { واذكروا ما فيه } من ميثاقه وتكاليفه واذكروا التعرض للثواب العظيم { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم } ونظم الآية وإذ أخذ ربك من بني آدم ذريتهم لأن الله سبحانه أخرج ذرية آدم (عليه السلام) بعضهم من ظهور بعض يعني على نحو ما يتولد الأبناء من الآباء، وقوله تعالى: { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } ، قال جار الله: هذا من باب التمثيل والتخييل، ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وفورهم فقال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك، وباب التمثيل واسع في كتاب الله تعالى وفي كلام العرب ونظيره قوله تعالى:
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون
[النحل: 40]
فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين
صفحه نامشخص