{ وقال الملأ من قوم فرعون } يعني الجماعات، وقيل: الأشراف { أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض } يعني لكي يفسدوا عليك خدمك وعبيدك، وروي أنهم قالوا ذلك لأنه وافقهم به على الايمان ستمائة ألف نفس { ويذرك وآلهتك } فلا يعبدك ولا يعبدها، قال ابن عباس: كان لفرعون بقرة يعبدها فإذا رأى بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها، فقال فرعون مجيبا بقوله: { سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم } يعني نعيد عليهم ما كانوا فيه من قتل الأبناء ليعلموا أنا على ما كنا عليه من الغلبة والقهر وانهم مقهورون تحت أيدينا وإن غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا، قوله تعالى: { قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا } حين قال لهم فرعون سنقتل أبناءهم فجزعوا فوعدهم (صلى الله عليه وآله وسلم) النصر والغلبة وإهلاك القبط ويورثهم أرضهم وديارهم { والعاقبة للمتقين } ، قوله تعالى: { قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } قالوا: يعني بني إسرائيل الذين آمنوا بموسى: أوذينا لحقنا الضرر من جهة فرعون بقتل ابنائنا واستخدام النساء من قبل أن تأتينا بالرسالة ومن بعد ما جئتنا، قيل: بالوعيد لهم ف { قال موسى عسى ربكم } وعسى من الله واجبة وقال أبو علي: عسى هذا يقين { أن يهلك عدوكم } قوم فرعون وقد فعل حين غرق فرعون وقومه وهم ينظرون { ويستخلفكم في الأرض } أي يملككم الأرض { فينظر كيف تعملون } أي كيف تشكرون الله على نعمه { ولقد أخذنا آل فرعون } خاصته وقومه وأتباعه { بالسنين } بالجدب والقحط عاما بعد عام { ونقص من الثمرات } والغلات بالآفات والعاهات، وقيل: كان في أمصارهم لا تحمل النخلة الا تمرة واحدة أو تمرتين، وعن كعب: يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا تمرة واحدة { لعلهم يذكرون } فينتبهون على أن ذلك لإصرارهم على الكفر، وقيل: عاش فرعون أربع مائة سنة ولم ير مكروها في ثلاثمائة وعشرين سنة، ولو أصابه في تلك المدة وجع أو حمى لما ادعى الربوبية { فإذا جاءتهم الحسنة } من الخصب والرخاء { قالوا لنا هذه } أي هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها ولم نزل في النعمة { وأن تصبهم سيئة } ، قيل: ضيق وجدب وبؤس وبلاء { يطيروا بموسى ومن معه } يقولون ما أصابنا بلاء ولا رأينا شرا حتى رأيناكم، لأنهم أقاموا في نعمة قبل موسى في الخبر المتقدم ثلاثمائة وعشرين سنة، قال الله تعالى: { ألا إنما طائرهم عند الله } يعني ما يصيبهم من الخصب والجدب يعني ألا إنما سبب شؤمهم عند الله { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن الذي أصابهم من الله تعالى، قوله تعالى: { وقالوا } يعني قوم فرعون { مهما } ، قيل: معناه كلما تأتينا ومتى تأتينا، وقيل: معناه ما { تأتنا به من آية لتسحرنا بها } لتبطلنا عما نحن عليه من دين فرعون { فما نحن لك بمؤمنين } بمصدقين.
[7.133-136]
{ فأرسلنا عليهم الطوفان } ما طاف بهم وعليهم من مطر أو سيل، وعن ابن عباس: كان أول الآيات الطوفان وهو الماء، قيل: طفى الماء فوق حروثهم وذلك انهم مروا ثلاثة أيام في ظلمة شديدة لا يرون شمسا ولا قمرا ولا يقدر أحد أن يخرج من داره، وقيل: أرسل الله عليهم السماء حتى كادوا يهلكون، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة، فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ومن جلس غرق، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل قطرة، وفاض الماء على وجه أرضهم فركد ومنعهم من الحرث ودام عليهم سبعة أيام، وقيل: هو الموت، وقيل: هو الطاعون، فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن لك، فدعا فرفع الله ذلك عنهم فما آمنوا، فنبت لهم تلك السنة من الكلأ والزرع ما لم يعهدوا بمثله، فأقاموا شهرا، فبعث الله عليهم { الجراد } فأكلت زرعهم وثمارهم، ثم أكلت كل شيء حتى الأبواب وسقوف البيوت والنبات، ولم يدخل بيوت بني اسرائيل منها شيء، ففزعوا إلى موسى ووعدوه التوبة، فكشف الله عنهم بعد سبعة أيام، فخرج موسى (عليه السلام) فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الجراد إلى المواضع التي جاء منها، فقالوا: ما نحن بتاركي ديننا فأرسل الله عليهم { القمل } ، قيل: هو كبار القردان، وقيل: الدبا وهو أولاد الجراد التي لا أجنحة لها، وقيل: البراغيث، وقيل: السوس فأكل ما أبقاه الجراد ولحس الأرض، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده وبين قميصه، وكان إذا أكل أحدهم طعاما يمتلئ طعامه قملا فصاحوا وفزعوا إلى موسى فرفع عنهم فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحر، وعزة فرعون لا نصدقك أبدا، فأرسل الله بعد شهر عليهم الضفادع فدخل المدنية حتى ملأ الدور والفرش والآنية، ودخلت طعامهم وشرابهم حتى كانوا يجلسون عليها، وربما كانت تدخل فم المتكلم وكانت تمتلئ منها مضاجعهم فلا يقدر أحد على الرقاد، وكانت تقذف بأنفسها في القدور وهي تغلي، فأقامت سبعة أيام فشكوا إلى موسى (عليه السلام) وقالوا: ارحمنا هذه المرة فما بقي إلا أن نتوب التوبة النصوح، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم، ثم نقضوا العهد فأرسل الله عليهم { الدم } فصارت مياههم دما، فشكوا إلى فرعون فقال: إنه سحركم فكان يجتمع الإسرائيلي والقبطي على إناء فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء وما يلي القبطي دما، ويستقيان من إناء واحد فيكون للقبطي الدم وللإسرائيلي الماء، وروي أن المرأة الاسرائيلية تمج في فم القبطية فيصير دما في فيها، أقاموا سبعة أيام كذلك، ثم أتوا موسى (عليه السلام) وعاهدوه وقالوا: { لئن كشفت عنا } إلى آخر الآية { آيات مفصلات } يتبع بعضها بعضا { فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين } وروي أن موسى (عليه السلام) نكث فيهم بعدما غلب السحرة يريهم هذه الآيات عشرين سنة { ولما وقع عليهم الرجز } يعني نزل بهم العذاب وهو ما ذكر الله سبحانه من الطوفان وغيره، وقال عكرمة: الزجر الدم { قالوا يا موسى ادع لنا ربك } الآيات { فأغرقناهم في اليم } وهو البحر الذي لا يدرك قعره.
[7.137-142]
{ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون } وهم بني إسرائيل كان يستضعفهم فرعون وقومه يذبح الأبناء ويستخدم النساء { مشارق الأرض } مصر والشام ملكها بني اسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتصرفوا كيف شاؤوا في أطرافها ونواحيها الشرقية والغربية { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل } يعني وقعت كلمة الله تعالى وهي وعده إياهم بالنصر والتمكين وهو قوله تعالى:
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض
[القصص: 5] إلى قوله:
منهم ما كانوا يحذرون
[القصص: 6] { بما صبروا } يعني بسبب صبرهم على دينهم قال جار الله: وحسبك هذا حاثا على الصبر ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله اليه ومن قابله بالصبر وانتظار النصر ضمن الله له الفرج { ودمرنا } أي أهلكنا { ما كان يصنع فرعون وقومه } يشيدون من العمارات والقصور { وما كانوا يعرشون } من الجنان وما كانوا يرفعون من الأبنية المشيدة في السماء كصرح هامان وغيره { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر } قطعنا بهم بأن جعلنا لهم فيه طريقا يابسة حتى عبروه وغرق فرعون، وروي أنه عبر بهم موسى يوم عاشوراء بعد أن أهلك الله فرعون وقومه فصاموا شكرا لله تعالى { فأتوا على قوم } فمروا على قوم { يعكفون على أصنام لهم } يواظبون على عبادتها، قيل: كانت تماثيل بقر وذلك أول شأن العجل، وقيل: كانت أوثان، وقيل: كان القوم من الكنعانيين { قالوا يا موسى اجعل لنا إلها } صنما نعتكف عليه { كما لهم آلهة } أصنام يعكفون عليها { قال } لهم موسى { إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء } يعني القوم الذين عبدوا الأصنام { متبر } مهلك مدمر { ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون } ثم بين تعالى النعم التي فضلهم بها على العالمين فقال سبحانه: { وإذ أنجنياكم } خلصناكم { من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب } الآية، قوله تعالى: { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } يعني مما فعل من النجاة نعمة عليكم عظيمة لربكم، وقيل: ابتلاء عظيم، وقيل: في تخليته إياهم وقوم فرعون محنة عظيمة { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } ، روي أن موسى (عليه السلام) وعد بني اسرائيل وهو بمصر ان أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره الله تعالى بصيام ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك، فقالت الملائكة: كنا نشم فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك، وقيل: أوحى الله تعالى إليه: أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من شهر ذي الحجة، وقيل: أمره الله تعالى بأن يصوم ثلاثين يوما وان يفعل فيه ما يقربه إلى الله تعالى، ثم أنزل الله عليه التوراة في العشر من ذي الحجة { فتم ميقات ربه } ما وقت له من الوقت { وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي } كن خليفتي فيهم { وأصلح } وكن مصلحا أو أصلح ما نحب أن يصلح من أمور بني إسرائيل.
[7.143-147]
صفحه نامشخص