فلك أن تصفي ضميرك عن جميع ما يؤدي إلى التقليد والتخمين، وتفرغ خاطرك وسترك عن كل ما يوهم التعدد والكثرة، حتى انشرح صدرك واتسع قلبك؛ لتصيرمنزلا لسلطان الوجود الذي هو منبع جميع الكمالات والجود، وقبلة الواجد والموجود، والحوض المورود، والمقام المحمود.
وإياك إياك أن تقتضي أثر وساوس مقتضيات نفسك التي هي أعدى عدوك، وأشد ما يغويك ويضلك، بل جميع شياطينك إنما انتشأت منها، واستتبعت عليها، فعليك أن تلتجئ في الاجتناب من غوائلها بالرشد الكامل الذي هو القرآن المنزل من عند الله على خير الأنام، المؤيد من عند العليم العلام؛ ليهدي المضلين جادة التوحيد عن متابعة الشيطان المريد، ويوصلهم إلى صفاء التجريد وزلال التفريد بتوفيق من الله وجذب من جانبه.
وفقنا بلطفك وكرمك بما تحب عنا وترضى.
[4 - سورة النساء]
[4.1-3]
{ يأيها الناس } الذين نسوا الموطن الأصلي، والمنزل الحقيقي بزخرفة الدنيا المانعة من الوصول إليه، عليكم الاتقاء من غوائلها، والأجتناب عن مخايلها، حتى لا تنحطوا عن مرتبتكم الأصلية ومكانكم الحقيقي { اتقوا } أي: اجتنبوا والتجئوا { ربكم الذي } رباكم بحسن التربية، بأن { خلقكم } أظهركم وأوجدكم أولا { من نفس واحدة } هي المرتبة الفعالى، المحيطة بجميع المراتب الكونية والكيانية، وهي المرابت الجامعة المحمدية، المسماة بالعقل الكلي، والقلم الاعلى؛ تكميلا لباطنكم وغيبكم.
{ وخلق منها } بالنكاح المعنوي والزواج الحقيقي الواقع بين الأوصاف والأسماء الإلهية { زوجها } التي هي الكلية القابلة الفيضان عموم الآثار الصادرة من المبدأ المختار؛ تتميما لظاهركم وشهادتكم، حتى استحقوا الخلافة والنيةبة بحسب الظاهر والباطن { و } بعد جعلهما زوجين كذلك { بث } بسط ونشر { منهما } أيضا بتلك النكاح المذكور { رجالا كثيرا } فواعل مفيضات { ونسآء } قوابل مستفيضات كل لنظيرتها، على تفاوت دقائق المناسبات الواقعة بين التجليات الحبية على الوجه الذي بينتها الكتب والرسل.
ولما كان الرب من الأسماء التي تتفاوت بتفاوت المربوب، صرح بألوهيته المستجمعة لجميع الأوصاف والأسماء بلا تفاوت، تأكيدا ومبالغة لأمر التقوى، فقال: { واتقوا الله } أي: واحذروا عما يشغلكم عنه سباحنه، مع أنه أقرب إليكم من حبل وريدكم؛ إذ هو { الذي تسآءلون } تتساءلون وتتنافسون { به } وتتوهمون بعده من غاية قربه { و } احفظوا { الأرحام } المنبئة عن النكاح المعنوي والزواج الحيي على الوجه الذي ذكره { إن الله } المحيط بكم وبأحوالكم { كان عليكم } دائما { رقيبا } [النساء: 1] حفيظا يحفظكم عما لا يغنيكم إن أخلصتم التوجه.
ومن جملة الأمور التي يجب المحافظة عليها أيها المأمورون بالتقوى: حقوق اليتامى، فعليكم أيها الأولياء والأوصيا أن تحفظوا مال اليتيم حين موت أبيه أو جده، وتزيدوه بالمرابحة والمعاملة، وتصرفوا بقدر الكفاف.
{ و } بعد البلوغ { آتوا اليتامى } قبل البلوغ؛ إذ لا يتم بعد البلوغ { أموالهم } المحفوظة، الموروثة من آبائهم { و } عليكم حين الأداء أن { لا تتبدلوا الخبيث } الرديء من أموالكم { بالطيب } الجيد من أموالهم { و } أيضا، عليكمإن أردتم التصرف في أموالهم مقدار معاشهم أن { لا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } أي: مع أموالكم مختلطين { إنه } أي: التصرف في أموالهم بلا رعاية غبطتهم { كان حوبا كبيرا } [النساء: 2] إثما عظيما، مسقطا للمروءة بالمرة.
صفحه نامشخص