واعلموا أنكم { لو كنتم } متمكنين { في بيوتكم } غير خارجين منها للقتال { لبرز } لظهر وخرج البتة { الذين كتب } قدر وفرض في الأزل { عليهم القتل } في هذه المعركة، مسرعين { إلى مضاجعهم } ومقاتلهم في الوقت الذي قدر بلا تأخير ولا تقديم { و } إنما فعل بكم ما فعل { ليبتلي } ويختببر ويمتحن { الله ما في صدوركم } أهو من الرضا والإخلاص؟ أم من الشقاق والنفاق؟ { وليمحص } يطهر ويصفي { ما في قلوبكم } من الإيمان والتوحيد عن الكفر والنفاق { والله } المطلع لسرائركم وضمائركم { عليم بذات الصدور } [آل عمران: 154] أي: الأمور المكنونة فيها.
[3.155-157]
{ إن الذين تولوا } استدبروا وتخلفوا { منكم } أيها المؤمنون؛ ترهيبا وجبنا، بلا كفر ونفاق { يوم } وقت { التقى الجمعان } الصفان للقتال { إنما استزلهم الشيطان } وأزال قدمهم عن التثبت والتفرد { ببعض ما كسبوا } بشؤم بعض ما كسبوا، بتسويلات نفوسهم التي هي من جنود الشيطان { و } بعدما ندموا واستغفروا، وأخلصوا الرجوع إلى الله { لقد عفا الله عنهم } بلطفه { إن الله } العفو عن ذنوب عباده { غفور } ستار لهم ما صدر عنهم الآثام { حليم } [آل عمران: 155] لا يعجل بالبطس والانتقام؛ ليتوبوا ويرجعوا.
{ يأيها الذين آمنوا } عليكم أن تحافظوا على مقتضى الإيمان والتوحيد، ولا تنسبوا الحوادث إلى غير الله، بل تفوضوا جميعا إلى الله أصاله حتى { لا تكونوا } أيها المؤمنون { كالذين كفروا } بالله بانتساب الحوادث إلى الأسباب أولا وبالذات { وقالوا لإخوانهم } الذين ماتوا في حقهم { إذا ضربوا } سافروا { في الأرض } للتجارة والسياحة { أو } قتلوا، أو { كانوا غزى } غازين في سبيل الله، طالبين رتبة الشهادة:
{ لو كانوا } هؤلاء الميتين والمقتولين متوكلين، متمكنين { عندنا ما ماتوا } في الغربة { وما قتلوا } في يد العدو، معتقدين أن وما أصابهم، إنما أصابهم من الغزو والغربة لا من الله، وإنما أخطرهم سبحانه بهذا الرأي، وأقوالهم بهذا القول { ليجعل الله } المنتقم منهم في النشأة الأولى والأخرى { ذلك } الحزن والأسف { حسرة } مستمكنة { في قلوبهم } وتمرضهم وتضعفهم بها في الدنيا، وتعذبهم في الآخرة { والله } القادر المقتدر، المستقل في الإحياء والإماتة { يحيي } بلطفه { ويميت } يقهره بلا مظاهرة ولا مشاركة { والله } المطلع لسرائر عباده { بما تعملون } أيها المؤمنون { بصير } [آل عمران: 156] ناقد خبير، يميز ويصفي إخلاصكم من الرعونة والرياء، وأعمالكم من الميل إلى البدع والأهواء.
{ و } الله أيها المؤمنون المتوجهون إلى الله، الطالبون الوصول إلى زلال توحيده { لئن قتلتم في سبيل الله } طالبين لرضاه { أو متم } قبل موتكم، سالكين، سياحين في طريق الفناء فيه { لمغفرة } سترة ساترة لأنانيتكم، ناشئة { من } ضرب { الله } لكم إلى توحيده الذاتي { ورحمة } فائضة منه، مفنية لهوياتكم بالمرة في هويته { خير } لكم { مما يجمعون } [آل عمران: 157] وتدخرون أنتم لأنفسكم بهوياتكم الباطلة، وإن كنتم خيرين فيها.
[3.158-160]
{ و } الله أيها الموحدون المخلصون { لئن متم } في طريق الفناء { أو قتلتم } فيه في يد الأعداء { لإلى الله } لا إلى غيره؛ إذ لا غير { تحشرون } [آل عمران: 158] ترجعون رجوع الظل إلى ذي ظل.
{ فبما رحمة } أي: فبرحمة نازلة لك يا أكمل الرسل { من الله } المرسل لك؛ رحمة للعالمين { لنت لهم } حين مخالفتهم عن إطاعتك واتباعك { ولو كنت فظا } سيء الخلق { غليظ القلب } قاسية { لانفضوا } تفتتوا وتفرقوا البتة { من حولك } وإن آذوك جهلا وغلفة { فاعف عنهم } تلطفا وترحما على مقتضى نبوتك.
{ و } بعد عفوك { استغفر لهم } من الله ليغفر زلتهم؛ لأنك مصلحهم ومولي أمرهم { و } بعد عفوك عما لك، واستغفارك عما لله { شاورهم في الأمر } أي: الرخص المتعلقة لترويج الدين والإيمان بعدما تركت المشورة معهم؛ بسبب جريمتهم { فإذا عزمت } فالعزيمة لك خاصة، بلا مشورة الغير { فتوكل } في عزائمك { على الله } واتخذه وكيلا، ولا تلتفت إلى الغير مطلقا { إن الله } الهادي لعباده { يحب المتوكلين } [آل عمران: 159] المتخذين الله وكيلا، المفوضين أمورهم كلها إليه.
صفحه نامشخص