ثم قال سبحانه: { إن الذين آمنوا } بالله الواحد القهار الأحد الفرد الوتر في ذاته { و } آمنوا أيضا بجميع رسله المرسلة من عنده، وبجميع ما جاء به من الأوامر والنواهي { عملوا } جميع { الصلحت } المأمورة لهم { و } خصوصا { أقاموا الصلوة } المفروضة لهم بكتاب الله { وآتوا الزكوة } المكتوبة عليهم فيه { لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم } من ترقب مؤلم { ولا هم يحزنون } [البقرة: 277] من فوت ملذ مسربل، لهم ما لهم بالفعل بلا انتظار وترقب.
[2.278-281]
{ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله } أي: مقتضى إيمانكم اختيار التقوى والعزيمة الخالصة في جميع الأعمال المأمورة لكم، والاجتناب عن الرخص فيها { وذروا } اتركوا { ما بقي } لكم { من الربوا } عند الغرماء { إن كنتم مؤمنين } [البقرة: 278] موقنين بحرمة الربا وسر حرمته.
{ فإن لم تفعلوا } ولم تمتثلوا بما أمروا، ولم يتيقنوا لسر ما منعوا منه { فأذنوا } انتظروا واعلموا { بحرب } عظيم نازل { من الله } المتجلي باسم المنتقم { ورسوله } التابع له المتخلق بأخلاقه { وإن تبتم } من الارتباء والإنماء على هذا الطريق الأخس الأخبث { فلكم } في دينكم { رؤوس أمولكم لا تظلمون } بأخذ الزيادة وإتلاف مال الغريم بلا عوض { ولا تظلمون } [البقرة: 279] تتضررون بالمطل والتسويف وتعويق الأداء وتأخيرها.
{ وإن كان } الذي عليه رءوس أموالكم { ذو عسرة } لا يقدر على أدائها رخصة { فنظرة إلى ميسرة } أي: فعليكم أن تنتظروا إلى وقت يساره ثم تأخذوا { وأن تصدقوا } أي: تصدقكم على ذي عسرة { خير لكم } عند ربكم يجازيكم به جزاء لا يدرك كنهه إلا هو؛ إذ إدخال السرور في قلب المؤمن يوازي عند الله عمل الثقلين { إن كنتم تعلمون } [البقرة : 280].
{ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } المسقط لجميع الإضافات منسلخين عن جميع ما أنتم عليه في الدنيا، مؤاخذين عليها؛ ليحاسبوا ويجازوا على نقير وقمطير { ثم توفى } تجزى { كل نفس } على مقتضى { ما كسبت } من خير وشر وظلم وجور { وهم لا يظلمون } [البقرة: 281] أصلا، لا بتنقيص الثواب ولا بتضعيف العقاب بل كل نفس فيها رهينة بما كسبت.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها آخر ىية نزل بها جبريل عليه السلام، وقال:
" ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة "
وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهدها إحدى وعشرين يوما وقيل: إحدى وثمانين، وقيل: سبعة آيام، وقيل: ثلاث ساعات.
عليك أيها المؤمن المتوجه إلى تصفية الذات أن تدخر لنفسك هذه الآية كزاد آخرتك ما لا يسعه المطولات ولا يتدرج في المجلدات، ولا يفي باستقصائها التعبيرات والإشارات، وهي محتوية على جميع الأسرار الباعثة للإرسال والإنزوال والتبشير والإنذار، لذلك ختم به الوحي، وانقطع به الإنزال.
صفحه نامشخص